منارات ربانية

شوق لا ينطفئ

36 مشاهدة
08:56 - 2025-06-10
ثقافة عامة

في أعماق القلب، حيث لا تصل عيون الناس، هنالك شعورٌ عميق ، وكأن الروح في انتظار شيء هو حتما موجود في كل لحظة. ذلك الشعور هو الشوق إلى الله، شوقٌ لا يُعبّر عنه بالكلمات، بل هو حديث القلب مع خالقه، حديث لا يُسمع إلا من أصحاب القلوب الطاهرة. إنه شوقٌ يأخذنا إلى عالمٍ آخر، حينما تكون الكلمات أكثر صدقا، وحيث لا يُحس الوجود إلا بالله وحده.

إن الشوق إلى الله ليس مجرد رغبة في لقائه، بل هو اشتياق الروح الذي خلق من نوره، يبحث عن مصدره ، عن طمأنينته في حضرة جماله . انه أسمى تعبير عن الحب الذي لا يتغير ولا ينتهي. هو شعورٌ يملأ القلب بالصفاء، ويغسل كل ما علق به من شوائب. كأنه لحظة تلمس فيها  الحقيقة، تخرج من زحمة الدنيا، لتقف أمامها في سكونٍ تام.

من أعماق فطرة مفعمة بالتوق إلى الرحمة اللامتناهية، إلى النور الذي يملأ الكون كله. وفي لحظات تكون فيها وحدك، تتساءل: "أين هو الله؟" فان الإجابة تأتيك بصمتٍ عميق : انه أقرب إليك من حبل الوريد ، إنه في قلبك ، في فكرك، في أنفاسك،في كل شيء حولك ، لانه معنى محمول في كل شيء وهو اصل كل شيء.

فطرة بحاجة إلى السكون، إلى الراحة التي لا يعرفها إلا من سلِم قلبه من الرغبة الى الدنيا . فتلك اللحظات التي تبتعد فيها عن ضجيج الغايات الكثيرة، حيث تعلو  بعيدا، هي لحظات يتداخل فيها الشوق بالأنس. تشهد الله، لا كما تخيلته في عقلك سابقا حينما كنت تعتنق دين الظنون، بل كما شعرت به في قلبك حينما شهدت معناه وعرفته بحقيقته كما هو ، انها لحظات  يذوب فيها الزمن وتتلاشى المسافات.

انه ليس انتظارا عابرا ، بل هو انتظارٌ طاهر، انتظار ينبض به القلب في كل لحظة، انتظار لا ينتهي حتى ولو اختلطت الأيام بالألم. إنه يرافق الفطرة ، ويبقى فيها، مهما كانت المسافات التي بينها وبين الله، لأنه في الحقيقة لا مسافة هناك . لانه الاقتراب الروحي الذي لا يمكن أن يعيقه شيء.

ان الشوق إلى الله هو النقاء ، حيث أن قلبك يرتفع الى السماء، لا يمل ولا يكل، في انتظار اللحظة التي يتلاقى فيها مع معنى الله، لحظة من السكينة حيث تتنفس  بحرية،  بصمتٍ أسمى. حينها فقط، يصبح كل شيء هينًا، لأنك معه وكل شيء معه يصبح له معنى أكبر وشعورٌ أرقى.

أنه يفتح أمامك أبوابًا من النور لم تكن تعلم بوجودها، فتجد كل خطوة في حياتك مضيئة، وكل يوم يمضي أكثر إشراقًا. تلك اللحظات الصغيرة التي تمنح فيها قلبك لله، هي لحظاتٌ تُضاهي في جمالها الكون بأسره.

انه حبٌّ لا يُحد بزمان ولا مكان ، ولا يُقدر بكلمات، هو سرٌّ فُطرنا عليه بيديه هو ، هو بداية الوجود، ونهاية الدنيا . عندما تشعر أن الله أقرب إليك من نفسك، وأنت في غمرة هذا الشوق، ستجد أن كل شيء حولك، وكل لحظة في حياتك، ما هي إلا دعوة للاستمرار في هذا اللقاء الأبدي، اللقاء الذي لا يُملّ منه ولا ينتهي.

اختيار المحررين