ذاتكَ اولى بالاصلاح

08:38 - 2025-06-10
ثقافة عامة
إن إصلاح الذات مطلب بشري مشترك بين جميع الأجناس والأعراق، لكونه قضية جوهرية في حياة الإنسان الذي يسعى لتحسين جانبه السلوكي وتجويد أخلاقه وقيمه، ولا يقتصر إصلاح الذات على الفرد فقط، لأنه يعد أيضا لبنة أساسية من لبنات صلاح المجتمع، فلا يتصور بحال أن ينهض مجتمع ما بدون ما أن يكون أفراده على مستوى عال من الصلاح.
البشر لا يتسمون بالكمال لذلك ليس هنالك أحد خال من العيوب والنقائص، لكن ليس الكل قادرا على الاعتراف بها والعمل على تجاوزها وتحسينها، لهذا يمكن اعتبار إصلاح الذات أهم الأمور التي يجب أن يتوجه إليها المرء ويركز عليها، فصلاح نفسك مفتاح سعادتك، والجميع يتمنوا صلاح ذواتهم وخلوها من كل شائبة، وخوض غمار الإصلاح الذاتي ليس أمرا مستحيلا بل يمكن لأي واحد القيام به. والرغبة في الإصلاح الذاتي موجودة فطريا في كل إنسان، لكنها لا تكفي لحدوث الإصلاح المنشود الذي ينتظر منك أن تشعل فتيله وتنطلق في بذل الجهد والعمل الجاد في سبيله، رغم كل ما يحيط بك من عراقيل داخلية وخارجية تعيق أو تؤخر عملية الإصلاح الذاتي ونجد
أن المنهج القرآني يركز على أهم شيء لتحقيق التغيير الإيجابي الحقيقي والجذري ألا وهو الابتداء بعملية الإصلاح الذاتي، فيقول الله عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)، أي أن التغيير ينطلق منك ويتوقف عليك، وأهم شيء أن تنشغل بنفسك وتصلحها، فذاتك أولى بالإصلاح من أن تنشغل بإصلاح غيرك، فمجرد كونك صالحا مع ذاتك بحد ذاته إصلاح لغيرك الذي قد يراك قدوة له انطلاقا من تصرفاتك السوية، وإصلاح الآخرين يبدأ من إصلاح ذاتك، ولو أن كل امرئ انشغل بإصلاح ذاته لتغيرت أَشياء كثيرة في واقعنا المزري، فلا يمكن للذي يعجز عن إِصلاح نفسه والارتقاء بها أن يصلح غيره أبدا، فالعاجز الحقيقي من جهل نفسه وعجز عن إصلاحها، ومن عرف كيف يتحكم في ذاته صار أعرف لغيره، والذي لا يعرف كيف يتعامل مع ذاته كان ضمنيا غير قادر على التأثير في سلوك الآخرين إيجابيا.
وخلاصة هذا كله هي أن إصلاح الآخر يكون نتيجة لإصلاح الذات، ولا يمكن تحقيق العكس أَبداً؛ فكيف يصلح الإنسان غيره ما لم يقوى على إصلاح نفسه؟! فالسراج الذي لا يضيء ما بقربه لا يمكن له أن يضيء ما يبعد عنه، ويبدأ الإصلاح الذاتي حين تعترف بوجود تصدعات وعيوب ونقاط ضعف في ذاتك وتدركها حق المعرفة، ولا تتكبر عليها وتحاول تجاهلها وعدم اصلاحها، فكل مشروع إصلاحي لم ينطلق أولا من إصلاح الذات لا تكون له جدوى، وقد يكون مصيره الفشل؛ وإن لم يظهر للعيان إلا أنه قائم أو سيحدث ولو بعد حين، فلا يمكنك أن تصلح بيوت الآخرين وبيتك متصدع. كن صريحا مع ذاتك التي تلازمك على الدوام وقرر أخذ زمام المبادرة والبدء في إصلاحها، فلا تضعها في مواقف مسيئة لها، قدرها واجعلها عزيزة، وقف وقفة جادة لتصحح سلوكياتك المنحرفة وصفاتك السلبية، بدلا من الشكوى وإلقاء اللوم على الآخرين التف لذاتك وأصلحها، فالخطأ والوقوع فيما لا يليق بك صفة بشرية، ولكن عدم الاعتراف بذلك هو ما لا ينبغي أن يكون، والعمل على إصلاح ما تم إفساده وتفاديه واجب إنساني، فاصنع من نفسك شخصا مميزا يدرك من حوله ما يتميز به حقيقة عملية وليس ادعاءً وتبجحا فارغا…