منارات ربانية

خان الكابولي في الكاظمية مقراً لأول فوج في الجيش العراقي

صورة للجيش العراقي الحالي
809 مشاهدة
06:45 - 2023-01-06
ثقافة عامة

الداعي نيوز/ ثقافة عامة

 تقرير/ علي ناصر الكناني 
  
في السادس من كانون الثاني من كل عام يحتفل أبناء عراقنا الحبيب بذكرى جديدة تمر على  تأسيس جيشنا الباسل جيش الأمة العربية والمدافع عن حقوقها. وفي هذا العام يكون قد مضى على تأسيسه ١٠٢ عام .
خاض خلالها نضالاً مريراً شاركت فيه جماهير شعبنا المناضل قدم خلاله العديد من الشهداء من أجل الإستقلال والتحرر من التسلط الأجنبي الذي حاولت فرضه علينا القوى الإمبريالية والإستعمارية لتسلبه عزته وكرامته غير إن الإدارة الصلبة للطليعة الثائرة من الجيش والشعب وإيمانها  الراسخ بالمبادئ الوطنية والقومية قد حطم أحلام تلك القوى ولقنها دروساً لن ينسوها . 
خان الكابولي مقرا لأول فوج . 

خان الكابولي في الكاظمية

لتسليط الضوء على هذه المسيرة الظافرة من تاريخ جيشنا الشجاع والحركات الثورية التي ساهم  بها عبر هذه السنوات الطويلة من عمره التقينا المؤرخ الكبير الرحل الأستاذ عبد الرزاق الحسني الذي حدثنا عن ذلك حين التقيته في بيته العامر أواخر السبعينيات بقوله: إن البدايات الأولى لتأسيس الجيش العراقي الذي تكون تحت إمرة الضباط العراقيين الذين  تحطمت آمالهم في الثورة العربية الكبرى التي أعلنها ((الحسين بن علي )) شريف مكة المكرمة على الأتراك العثمانيين خلال الحرب العالمية الأولى وكذلك الثورة العراقية الكبرى عام 1920 والتي قام بها الشعب العراقي ضد الاحتلال البريطاني وقد شارك فيها بعض الضباط العراقيين قد خلقت جواً من التفاؤل والأمل في تحرير العراق وتحقيق الأماني الوطنية . وكان الانكليز يحرصون على العمل في أن يكون الجيش أشبه بقوة ((الدرك)) أي مجرد وسيلة لقمع الثورات الداخلية التي تقوم ضدهم؟.

الجيش العراقي - خمسينيات القرن الماضي 

وفي 6كانون الثاني عام 1921 تأسس الجيش العراقي تحت إمرة الضباط الذين اشرنا إليهم وبناء على ذلك تأسس الفوج الأول له وأطلق عليه ((فوج الإمام موسى الكاظم )) وقد اتخذ من خان الكابولي في الكاظمية مقراً له ثم توالى تكوين الأفواج في مناطق العراق المختلفة ومنذ تأسيس الجيش تكونت فكرة في نفوس القادة المخلصين فيه تتضمن وجوب الأخذ بنظام التجنيد الإجباري حيث ينخرط في سلك الجيش أبناء الشعب من مختلف الأعمار والبيئات بدلاً من جعله قائماً على التطوع يدخل فيه من يرغب وفي ذلك فقد عارض الانكليز فكرة التجنيد الإجباري في العراق بشدة ولكن كبار العسكريين الذين دخلوا المدارس العسكرية والذين ساهموا في الثورة العربية وثورة العشرين ظلوا يكافحون من اجل إدخال قانون التجنيد الإجباري لتخليص الخزينة من نفقات الجيش المتطوع من جهة ولجعله قادراً على القيام بواجب حفظ الأمن الداخلي والدفاع عن الوطن ضد محاولات الغزو الخارجي من جهة أخرى .

المؤرخ الرحل الأستاذ عبد الرزاق الحسني الحسني مع الصحفي علي الكناني/ اواخر السبعينيات

لقد كسب الملك غازي ثقة الضباط والجنود يوم كان يقوم بمهام البلاد نيابة عن والده الملك فيصل الأول. ولما لمس الساسة المخضرمون قوة الجيش صاروا  يتقربون للانكليز بمختلف الطرق . و استطاعت القوى السياسية المعارضة أن تحمل بعض كبار الضباط على القيام بانقلاب 29 –تشرين الأول عام 1936 والذي اطاح بوزارة ياسين الهاشمي وبالفريق بكر صدقي رئيساً لأركان الجيش. ولست بصدد بيان ما قام به الجيش من دور كبير بإسناد وزارة الانقلاب المذكور ولكنني استطيع القول إن تشكيل الوزارات والإطاحة بها  وإسناد وزارة دون أخرى لكل ذلك أصبح بيد كبار الضباط فلما شعر الضباط الوطنيون في الجيش العراقي بانحراف انقلاب بكر صدقي عن الأهداف القومية تكتلوا وخططوا للقيام بعمل مضاد أطاح بوزارة حكمت سليمان بعد مقتل الفريق بكر صدقي والمقدم الطيار محمد علي جواد في مطار الموصل في آب 1937 ولم يكن قد مر على انقلاب بكر صدقي أكثر من سنة ومما يضر من ذلك أن السياسة التي اتبعت  بعد مقتل الفريق بكر صدقي استهدفت إسدال الستار على ما مضى ولم ترق هذه السياسة لفريق من الضباط القوميين الذين قاموا بالاطاحة بوزارة ياسين الهاشمي . وابتدأ الصراع بين الفريقين حتى انتهى بغلبة الضباط القوميين الذين استطاعوا أن يرغموا وزارة جميل المدفعي الرابعة على الاستقالة في 25 كانون الأول 1938 والمجيء بوزارة قومية يرتضيها الشعب وترتضيها القوات المسلحة وكانت نذر الحرب العالمية الثانية قد ظهرت في أواخر عام1939 فإذا بالسياسيين المخضرمين والقادة العسكريين والشباب المتطلع وغيرهم ينقسمون إلى فريقين . فريق يرى استغلال الفرصة المؤاتية لإرغام الانكليز على تحقيق مطالب العراق القومية المعروفة وتحرير البلدان العربية التي كانت لاتزال ترزح تحت نير الانتداب الفرنسي وحل مشكلة فلسطين بما يرضى العرب ويحقق آمالهم في الحرية والاستقلال . بينما يرى الفريق الآخر بوجوب مهادنة الانكليز حتى تنتهي الحرب.

استعراض عسكري للجيش العراقي في العهد الملكي عام 1957

*ثورة مايس عام 1941  
لقد أدى هذا الخلاف بين الفريقين إلى الصراع بينهما والصدام المسلح بين الجيشين العراقي والبريطاني في 2ايار 1941 فكانت الحرب العراقية الانكليزية والتي سميت بحركة رشيد عالي الكيلاني والتي ابرز فيها الجيش العراقي من الحنكة والدهاء في أسلوب قتاله ضد الإنكليز المتفوقين عليه عدة وعددا , ما أذهل الرأي العام العربي والعالمي . إذ كيف يجوز لجيش حديث العهد نشأ تحت سيطرة الانتداب إن يقوم بحرب ضد أقوى دولة يومذاك؟ ولكن الروح الوطنية والقومية التي يتمتع بها إفراد الجيش العراقي مكنته من  الصمود والقتال شهراً كاملاً في حين أن الجيش الفرنسي لم يستطع أن يقف أمام الجيش الألماني أكثر من أسبوعين . ولما انتهت الحرب العراقية الانكليزية في الأول من حزيران عام 1941 وتغلبت القوة على الحق استطاع الانكليز أن يعودوا لحكم العراق وجعلوا همهم في إضعاف الجيش والقضاء عليه . وكان في العراق يومذاك أربع فرق عسكرية فأوصت البعثة العسكرية البريطانية في العراق بوجوب حل فرقتين من الفرق  ألاربع وتجريدها من سلاحها وجعل الجيش مجرد رمز للجندية فقط لا جيشاً مقاتلاً ولم يكن باستطاعة القائمين على الحكم في ذلك الوقت أن يكافحوا هذا الاتجاه . ولما انتهت الحرب العالمية الثانية بانحدار المحور . 

إستعراض طلاب الكلية العسكرية في 6 كانون الثاني 1965

وبدأت السياسة البريطانية في العراق تتحايل على الأماني الوطنية والقومية  واستخدام أسلوب حكم البلاد من وراء الستار ورغم وجود من باعوا ضمائرهم وشرفهم للانكليز وخانوا الوطن بتعاونهم معهم . فقد خابت ظنون الانكليز بالتغلب على الجيش العراقي الباسل وذلك عند عقد معاهدة ((بورت سموث)) عام1948 ومحاولة فرضها على العراق فقد ثار العراقيين بوجه الانكليز وإذا بالجيش يقف إلى جانب الشعب ويشحذ هممهم ويقوي عزيمتهم للثورة ضد الانكليز مما خيب آمال الانكليز نتيجة ذلك وابتدأ الصراع بين الفئات المتخاصمة حتى قامت ثورة مصر في 23تموز عام 1952 . 
وعندها بدأ الضباط الأحرار يفكرون بوجوب إنهاء التسلط الأجنبي وتخليص البلاد منه وكانت الانتفاضة الكبرى في عام 1952. فحاولت الحكومة الاستعانة بالجيش لقهر الانتفاضة المذكورة ولكن الجيش رفض ذلك ووقف إلى جانب الشعب ومنذ ذلك الوقت بدأ الضباط الأحرار يتجمعون للقيام بعمل كبير ينهي الحكم المستبد في البلاد فكانت ثورة 14 تموز 1958 التي أنهت حكم الانكليز في العراق إلى الأبد . ثم سألنا الأستاذ الحسني عن الدوافع والأسباب التي أدت إلى فشل ثورة مايس والنتائج التي تمخضت عنها فأجاب قائلاً : - تكاد تنحصر الدوافع التي أدت إلى قيام ثورة مايس في أمور أهمها : 
ا- إن الجيش العراقي بموجب المعاهدة العراقية – الانكليزية في 30 حزيران عام 1930 كان الجيش يتم تسليحه من انكلترا وكان الجيش كلما طالب الجيش البريطاني بتزويده بالسلاح اعتذرت انكلترا لأسباب تافهة وغير منطقية ومنها عدم وجود السلاح لديها ومازلت أتذكر إن الجيش العراقي طلب أيام المرحوم الشهيد صلاح الدين الصباغ سلاحاً من انكلترا بعد مناقشات طويلة جاءت الشحنة من الهند وفيها أحذية وأكياس رمل وبنادق قديمة ومدافع بلا ذخيرة وكان الجيش العراقي قد ابتاع من أمريكا بعض الطائرات في عام 1940 وبينما هي في طريقها إلى العراق أنزلت في الهند وجردت السلاح ومعدات القتال فأصبحت طائرات مجردة لا تصلح للعمليات العسكرية .     
2_حرص العراق على إن تعطي فرنسا وانكلترا تعهدات بمنح سوريا ولبنان استقلالهما كما جرى للانكليز في العراق ولم يكن في وسعهم أن يورطون أنفسهم وحلفائهم بإعطاء مثل هذا الوعد وكانت أمريكا وعملائها يسعون إلى اقتطاع فلسطين من الوطن العربي وتقديمها إلى الصهاينة لتكون قاعدة استعمارية لتنفيذ مآربها الدينية  .  

كردوس استعراض بمناسبة 14 تموز 1965 حفل تخرج الدورة 42 القدوة

أما أسباب فشل الثورة فهي 
1- يعتقد أن الحرب الكلامية أو الحرب الباردة كما يسمونها بين العراق والانكليز سوف لا تؤدي إلى الصدام المسلح وما كان في وسع الجيش العراقي وهو حديث العهد بتشكيله وسلاحه إن يقفا بوجه الجيش البريطاني الذي يفوقه بالإمكانيات اضافة إلى دعم الدول الأخرى له. 
2- الاختلاف الذي حصل بين القادة الذين كانوا يديرون الحرب حول الكيفية المناسبة في إدارتها وقد ذكر ذلك المرحوم صلاح الدين الصباغ في مذكراته الموسومة (( فرسان العروبة في العراق )) حيث يوضح فيها الخلاف الذي حصل بينه وبين المرحوم فهمي سعيد بخصوص كيفية القتال بجوار الحبانية وكانت هناك جهات تضلل الرأي  العام بإدعائها بان الألمان والطليان سيقدمون الاسلحة والعتاد إلى العراق الأمر الذي شجع القادة على القيام بالحركة قبل الوثوق من صحة هذا النبأ وقد أوضحت الوثائق والمستمسكات التي نشرت بعد الحرب انه لا الألمان ولا الطليان كانوا يعلمون بالحركة وكل ما كان يقال من وجود علاقات واتصالات بين العراق وهاتين الدولتين هي محض أخلاق .
والدليل الأخر الذي ينفي وجود هكذا علاقات هو أن هتلر لما علم بنشوب القتال بين الجيشين العراقي والانكليزي في 2 أيار 1941 قال انه لايكاد يصدق إن يدور قتال بين جيشين بينهما فرق واسع بالمعدات والإمكانيات وفنون القتال... فلما قاتل الجيش العراقي قتالاً باسلاً اضطر هتلر أن يصدر في 23ايار عام 1941 بياناً يذكر فيه أن ثورة العراق تعتبر ضرورة للحرب القائمة بينه وبين الانكليز لتخفيف الضغط من جهة وتحول دون الإمدادات من جهة أخرى . 
أما بخصوص النتائج التي أفرزتها ثورة مايس عام 1941 فيقول الأستاذ عبد الرزاق الحسني : لا يمكن لأحد أن ينكر الفوائد العظيمة التي جناها العراق نتيجة ثورة مايس ومنها اثبت انه بلد عربي مستقل ذو سيادة كاملة ولا يمكن أن يرضى بهيمنة الأجنبي عليه ومنها ايضاً ثورة 14 تموز عام 1958 التي قضت على الحكم الملكي في العراق  .   
*وماذا عن مشاركة الجيش في فلسطين عام 1948 ؟  
-لقد كان الجيش العراقي متحمساً ومندفعاً للمشاركة في حرب فلسطين عام 1948 غير انه لم يكن حراً في تصرفاته وإذا رجعنا إلى المصادر التأريخية بهذا الخصوص سنجد أن القيادة العراقية في فلسطين لم تكن حرة في تصرفاتها واذكر بما قرأته أن الملك عبد الله اصدر قراراً للقطعات العراقية بان لا تقوم بأي هجوم على أي مكان دون أمر منه وإلا قطع الإمدادات والأرزاق عنها . فلولا هذه المعوقات لاستطاع الجيش العراقي إن يقضي على الجيش الصهيوني بفترة قياسية وهذه الحقيقة عرفها الانكليز والرأي العام العالمي .    
-ثورة 14 تموز والقضاء على التسلط الأجنبي :  
-لقد بدأ التفكير في القيام بثورة الرابع عشر من تموز 1958 بعد الاطاحة بنظام الحكم الملكي في مصر في 23 تموز  1952 مما هيج حماس عدداً من الضباط العراقيين للسعي إلى نيل استقلال العراق بشكل كامل فبدأوا يتجمعون ويتكتلون ويتصلون بالعناصر الوطنية من المدنيين لتوفير بعض مستلزمات نجاح الثورة وصادف لحسن الحظ قيام حركة في لبنان ضد حكومة كميل شمعون التي كانت مسندة من قبل انكلترا وأمريكا  لإبقائها في الحكم وحصلت اتصالات بين السلطات العراقية آنذاك والحكومة الامريكية لإشراك العراق في الجهود المبذولة للقضاء على خصوم كميل شمعون فتقرر إرسال الجيش إلى لبنان للاشتراك في إسناد حكومة شمعون والاطاحة بالحكم القائم في سوريا فانتهز الضباط الأحرار الفرصة إثناء التحرك إلى الأردن للاطاحة بالنظام الملكي في العراق . في صباح الرابع عشر من تموز . وأخيراً بقي أن نقول أن كتاب الأستاذ الحسني عن تاريخ الوزارات. 

استعراض الجيش العراقي امام منصة التحية في لندن 8 حزيران 1946بمناسة يوم النصر في الحرب العالمية الثانية

– يتناول اخباراً متفرقة. وفيه بحث خاص عن الجيش العراقي وتموينه والحركات التي تمكن من القضاء عليها والتي ذكرناها آنفاً. 
وقد شرع في كتابته سنة 1926 و أعيد طبعه لمرات عديدة ويعد من المصادر التاريخية المهمة التي تتناول ملامح وجوانب مختلفة من تاريخ العراق.ولعلنا اليوم ونحن نستذكر هذه الصفحات الخالدة من سجل البطولات والمواقف الوطنية والقومية لجيشنا العراقي الباسل لا يسعنا الا ان نشير الى البطولات والمواقف الشجاعة التي يقف بها ابناءه الاصلاء وهم يلقنون قوى الارهاب والشر والظلام من الدواعش الدروس القاسية جنباً الى جنب مع القوات الامنية بكافة صنوفها والحشد الشعبي الابطال في مدن العراق وقراه التي تعرضت للدمار من قبل هؤلاء الدواعش وهجروا وشردوا ابناءها من نساء وشيوخ واطفال والذين كانوا وراء تحقيق النصر المؤزر والحاسم عليهم وما النصر الا من عند الله .

اختيار المحررين