الأديان.. صراع تحت سماء واحدة

6808 مشاهدة
12:53 - 2023-10-25
تقاریر و تحقیقات

 الداعي نيوز / تقارير وتحقيقات
 
(( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيه))
 
تمر الإنسانية وعلى مر العصور بمتاهات الحروب والاقتتال والثأر والفتن وتكفير بعضها البعض، وتتصارع الأجيال باسم الدين مع أن الله واحد ، ويعد النزاع بين الاديان أحد أطول الصراعات على مر التاريخ، ولم تغادر البشرية مرحلة هذا الصراع حتى يومنا هذا ، لاسباب يستغلها السياسيون ورجال الدين المتشددون والقوى العالمية الكبرى تتعلق ببقاء منظوماتهم طالما بقيت الصراعات .

 
الصراع يتشكل ويبدأ بين دين ودين ومن ثم بتفرع بين مذهب ومذهب وطائفة واخرى داخل الدين الواحد والرب واحد ، من سمح لهؤلاء المتقاتلين بسفك دماء الابرياء باسم الدين؟ وهل هو صراع لاجل الدين حقا ام تجارة بارواح البشرية ؟ الشرق والغرب ..المسلمون واليهود والمسيحيون كلهم يعبدون الله الواحد الاحد ويتقاتلون باسمه !

 ان الرأسمالية والاشتراكية وغيرها من الافكار والانظمة جاءت كردة فعل للخلاص من الفساد والظلم الذي خلفه مدعو الاديان الموروثة الذين لم يحملوا حقيقة تلك الاديان ولم يمثلوا الغاية الحقة التي تنشدها، لذلك كان لزاما على من يريد التحرر من سطوة هؤلاء البحث والتفكر للخلاص والخروج من دوامة ظلمهم الا انهم وقعوا بذات الخطأ فاعتمدوا نظاما قاصرا لم يحقق لهم الاطمئنان والسلام الابدي الا ان ما شجعهم عليه كونه اهون شرا مما لاقوه من الكاذبين المدجلين باسم الرب والدين

اولئك الذين جسدوا الدين على انه شعائر موروثة يحرصون على رفعها حتى وان لم تكن تتناسب مع الفكرة الحقة للدين على اعتبار ان الاديان السماوية كلها واحدة من حيث مبدئها وهو الانسان وغايتها وهي الانتقال به الى حياة مثالية تتحقق بها الطمأنينة، الا اننا لم نشاهد سوى التناحر والاقتتال فيما بين هؤلاء المدعين او مع من سواهم.

ان الرأسمالية والاشتراكية وغيرها من الافكار والانظمة جاءت كردة فعل للخلاص من الفساد والظلم الذي خلفه مدعو الاديان الموروثة الذين لم يحملوا حقيقة تلك الاديان ولم يمثلوا الغاية الحقة التي تنشدها، لذلك كان لزاما على من يريد التحرر من سطوة هؤلاء البحث والتفكر للخلاص والخروج من دوامة ظلمهم الا انهم وقعوا بذات الخطأ فاعتمدوا نظاما قاصرا لم يحقق لهم الاطمئنان والسلام الابدي الا ان ما شجعهم عليه كونه اهون شرا مما لاقوه من الكاذبين المدجلين باسم الرب والدين. 
 
قضية فلسطين والصراع الازلي
يطالب الفلسطينيون على مر التاريخ بالقدس عاصمة لدولتهم المنشودة، فيما يعتبرها اليهود عاصمة أبدية لإسرائيل، ويتقاتل الفريقان منذ عقود طويلة على اساس هذا ويذهب ضحية هذا النزاع الالاف من الضحايا في حرب بين دينين سماويين ربهما واحد .
في الحرب الاخيرة على قطاع غزة يذهب الفلسطينيون والاسرائيليون لاداء الطقوس الدينية والصلوات ونصوص القرآن والتوراة وألادعية ترافقهم ، كل يدعو ربه الواحد الذي هو ربهم جميعا لان ينصر دينه على دين الاخر وهما دينان سماويان ربهما الله الواحد الاحد سبحانه! وهنا تبرز خطورة هيمنة الصبغة الدينية على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ،لأنها افرغت الصراع من جوهره السياسي وحولته إلى حرب دينية .
 
الصراع بين الحق والباطل والخير والشر صراع أزلى ولد مع خلق الإنسان وتوارثته الحضارات الإنسانية والشعوب والجماعات والقبائل والعشائر وقد جاء الرسل والأديان السماوية لانهاء تلك الصراعات من خلال التعريف بان الغاية التي خلق من اجلها جميع الخلق اعظم واسمى مما جعلت منه هذه المخلوقات اقصى غاية لها، ورفعت هذه الاديان شعائر الدعوة لتنظيم الحياة والعدل والمساواة والرحمة والتراحم بين اهلها تصديقا لحقيقة انها مترفعة عن الاقتتال والتناحر على حياة متدنية معانيها زائلة واثارها في النفوس غير باقية فتخرق باي عارض او حادث ، ولانها مستغنية باهلها عما في ايدي الناس، لم تفرض الاديان على البشرية أعتناقها بلا قناعات لأن الخالق يحاسب البشر على أعمالهم ونيتهم وأفكارهم ورؤيتهم وتطلعاتهم فى بناء الكون تنفيذا لتكليف الخالق لهم بنشر الخير ودحر الشر عن الإنسانية والتوعية بصحيح الأديان السماوية كدستور وتشريع لمعرفة الخير والشر والإعتدال ومحاربة الطمع والهيمنة والسطوة والصراعات والنزاعات العقائدية والمذهبية وغيرها.
 
الحروب والصراعات الدينية  (اليهودية والمسيحية والإسلامية) وعلى مدى عصور من التاريخ وما يتفرع عنها بين المذاهب والطوائف وحتى الاقوام، هي نزعة بشرية أفرزها الطمع وحب السلطة وأثبات الاحقية فى أن دين كل منهم هو الصحيح وهو الأفضل وأنه نبراس البشرية للوصول إلى الجنة، مع أن الخالق واحد والهدف من الأديان واحد وثابت حتى وان أختلف فى الأسلوب أو الطريقة، ومع ذلك مازالت الصراعات والمواجهات بين الأديان مستمرة منذ الحروب الصليبية على بلاد الشام ثم إحتلال الدولة الفلسطينية من اليهود وصراع الصرب والبوسنة والهرسك وروسيا وأفغانستان والهند وكشمير وباكستان وإيران والعراق وسوريا ولبنان واليمن ونيجيريا والصومال واثيوبيا وانتشار الحروب الأهلية والطائفية والعنصرية فى مختلف دول العالم الغربية واللاتينية والشرقية، وبما فى ذلك تعمد ازدراء الأديان والأعتداء على الأقليات الدينية وتأجيج الصراعات والفتن الطائفية.

تتنوع اشكال الصراع الديني والمذهبي والعقائدي داخل كل دين أو عقيدة أو مذهب، ويتجلى ذلك من خلال الصراع والخلاف بين الكنيسة اليهودية وحاخامتها فى كل دولة يتواجد بها الأقليات اليهودية وحتى فى داخل الدولة العبرية تتواجد الإختلافات والصراعات بين اليهود المتدينين أهل الكتاب والأسرائليين دعاة الحرب والإحتلال، وأيضا الصراع بين المذاهب المسيحية ” الكاثوليكية ووالبروتستانتية والأرثوذكسية” فى الغرب وفى الشرق، وصراع العقائد والمذاهب السنية والشيعية والإخوان والسلفية في الاسلام ، وتشكل هذه الصراعات والتناحر غايات لامراء الحروب الذين يديرون تلك الصراعات لغايات سياسية واجتماعية وثقافية ونفعية وسلطوية تخرج كلها من عباءة الدين والمتاجرة به .
 
لم ينحصر الصراع بين الاديان المعروفة ضمن هدف محدد بل شمل كل مفاصل الحياة من سياسة وثقافة وتعليم وحتى الرياضة ، في غياب واضح لثقافة التسامح والحوار والعيش المشترك وإحترام الآخر والرأي والرأي الأخر ونشر الحب والسلام والتآخى والوئام بين كافة الأديان والعقائد والمذاهب ونبذ العنف، ولم تفهم تلك الاديان بعد ان الاختلاف فيما بينها هو غاية الهية ورحمة من الخالق للمخلوق لتتعدد الافكار وتصب كلها في الغاية المثلى وهي الانسان.

الحروب والصراعات الدينية  (اليهودية والمسيحية والإسلامية) وعلى مدى عصور من التاريخ وما يتفرع عنها بين المذاهب والطوائف وحتى الاقوام، هي نزعة بشرية أفرزها الطمع وحب السلطة وأثبات الاحقية فى أن دين كل منهم هو الصحيح وهو الأفضل وأنه نبراس البشرية للوصول إلى الجنة، مع أن الخالق واحد والهدف من الأديان واحد وثابت حتى وان أختلف فى الأسلوب أو الطريقة

لقد تحول الصراع البشري الازلي من صراع بين الخير والشر الى صراع بين اتباع الاديان والعقائد والمذاهب ، ويسعى كل فريق من هؤلاء لالغاء الاخر او الانتقاص من دينه ، وكان لمواقع التواصل الاجتماعي والطفرة التكنولوجية الاخيرة الاثر البالغ في تغذية هذه الصراعات، حيث اصبح العالم قريبا من بعضه وكاأنه قرية واحدة، واحتدمت الصراعات السياسية والثقافية والاجتماعية  التي يغذيها الواعز الديني وتنوعت اصدارات الكتب التي تتحارب هي الاخرى فيما بينها متسلحة بما تحمله بين طياتها من سموم وافكار ومعتقدات موروثة كانت او مبتكرة .
 
ان انفراد كل امة من البشرية بتعريف المفاهيم الثابتة على هواها ولاجل غايات واهداف تتعلق بتلك الامة افقد جوهر حقيقة المفاهيم المعروفة مثل التسامح والعيش المشترك والخالق الواحد، وبات كل فريق يضع مفهومه الخاص ومعاييره في تقييم المبادئ السامية والمفاهيم التي جاءت بها جميع الاديان، حتى اصبح  الانتقام "على سبيل المثال" مبدأ ساميا لبعض الفرق او الاديان او المكونات، بينما غابت ثقافة التسامح ولغة الوعي، واضحى البديل سيادة اللا تسامح والتصادم والتناحر فيما بين الاديان او فيما بين الدين الواحد نفسه .    
 
ان المرجعيات الدينية وعلى اختلاف مشاربها هي من ولدت معظم الصراعات بين البشرية عبر تاريخ، من خلال الفكر المتطرف وتكفير الاخر والغائه ، حيث غيّبت الكثير من الفتاوى الدينية المشبوهة روح التسامح والتآخي لدى اتباع تلك الاديان وغسلت عقولهم باوهام وظنون وموروث ظني وابتعدت عن المعنى الحقيقي للخالق ، المعنى السامي الذي يدعو الى التفكر والتدبر والرجوع الى الدين الحق وليس المنحرف ، وبات مصطلح الاديان واللاديان هو المسيطر على عقول الناس وكأن الله سبحانه خص هذا الفريق من دون ذاك او ميزه على مثيله في الخلق .
 
الدين هو هوية الشعوب، ويجب الا يدعو الى الغاء او تهميش الآخرين، والتناحر والاقتتال لاجل الدين نفسه، فما شهده العالم حديثا من حروب طائفية بين مذاهب الدين الواحد وحروب بين دين ودين يؤشر بما لايقبل الشك بان الدين استغل لغايات دنيوية او سياسية نفعية، وامثلة ما حدث في افغانستان والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين وغيرها هي خير دليل على وجود فكر يغذي الاقتتال بين البشرية التي تدين لخالق واحد احد.  

لاسبيل لتعايش البشرية ومغادرة الصراعات التي اساسها الغلو والاقلال بالفكر الديني الحق الذي هو ليس مجرد شعائر موروثة يرجع بها مدعي الدين الى الماضي يرفعونها بعقيدة الاطعام والارزاق لرب الاديان وانبياءه ورسله، لاسبيل لذلك الا من خلال العودة الحقيقية الى الدين الحق والتعاطي معه على انه وقائع حاضرة تحمل معاني مثالية للحياة تشهد بشعائره تتربى بها النفوس وتسير نحو غايتها التكاملية

لابد من الاخذ بنظر الاعتبار بان كل الصراعات والتناحرات على خلفيات دينينة ليست بالضرورة ناتجة عن الأديان نفسها بل تكمن في تطرف الناس والهيمنة والتسلط والجهل بالدين ايضا، حتى صار هذا الفعل الفردي فعلا جماعيا حيث ان الأديان بتجردها وماهيتها لا تتصارع بل من يتصارع هو الانسان مع الانسان .
 
يتضح جليا ان البشر هم من رسخ عقلية الصراع بين الافراد وبين الجماعات وحتى الدول بفكره المتطرف واتخاذه اشكالا مسلحة تفرض على الاخرين ما لا يقبله الدين نفسه وباسم الدين ، فالصراع بين الاديان اساسه صراع بشري على المنفعة والتجارة والاقتصاد والسياسة ، وما يؤسف حقا اننا نرى الدين سببا للصراعات الدائرة في العالم بدل من ان يتوحد العالم بوجه تحديات حقيقية كمعالجة الفقر والقضاء على المخدرات وترسيخ مبادئ السلم المجتمعي .

لاسبيل لتعايش البشرية ومغادرة الصراعات التي اساسها الغلو والاقلال بالفكر الديني الحق الذي هو ليس مجرد شعائر موروثة يرجع بها مدعي الدين الى الماضي يرفعونها بعقيدة الاطعام والارزاق لرب الاديان وانبياءه ورسله، لاسبيل لذلك الا من خلال العودة الحقيقية الى الدين الحق والتعاطي معه على انه وقائع حاضرة تحمل معاني مثالية للحياة تشهد بشعائره تتربى بها النفوس وتسير نحو غايتها التكاملية وهذا يكفل للبشرية نبذ جميع الافكار التي تغذي الصراع بين المجتمعات لغايات لا تمت للاديان بصلة ، الموروث المشوه ودين الاجتهاد والتفسير على الاهواء هو من هدم بمعوله اساس الاديان السماوية جميعها واصبح وباء خطيرا يهدد هذا العالم ان لم تتصد البشرية لمدعيه الذين يحملون مآرب دنيوية رخيصة يذهب ضحيتها الكثير من الابرياء، مثلما يحدث اليوم في فلسطين والذي اساسه الفهم الخاطيء للدين الذي حوله الى فتاوى واوهام غيرت مضامين رسائل السماء المطمئنة الى رعب بين الناس وبدلا من ان يكون الدين ملجأ بات هدفا وغاية للتسلط والسيطرة والمتاجرة بارواح البشر.    

 

 

 

 


 

 

 

اختيار المحررين