حرق المُصحف .. اللعب بالنار

14775 مشاهدة
08:01 - 2023-06-30
تقاریر و تحقیقات

الداعي نيوز / تقارير وتحقيقات 

في 28 من حزيران 2023، أقدم "سلوان موميكا"، وهو لاجئ عراقي في السويد من أصول مسيحية، على تمزيق نسخة من القرآن الكريم، ثم حرقها عند مسجد ستوكهولم المركزي، في أول أيام عيد الأضحى، بعد أن منحته الشرطة السويدية تصريحا بتنظيم الاحتجاج إثر قرار قضائي ووسط حراسة مشددة من الشرطة، وداس "سلوان موميكا "،وهو عراقي يبلغ 37 عاماً فر إلى السويد قبل سنوات، على نسخة من المصحف مرات عدة وأحرق صفحات منه أمام المسجد الكبير في ستوكهولم. 
وكانت الشرطة السويدية قد صرحت له بالتظاهر، تماشياً مع حماية "حرية التعبير"، لكنها قالت فيما بعد أنها فتحت تحقيقاً بشأن "إثارة توتر" ،وجاءت التظاهرة بينما يحيي المسلمون في أنحاء العالم عيد الأضحى المبارك. 

 

اللاجئ العراقي في السويد "سلوان موميكا" الذي اقبل على حرق القران الكريم عند مسجد ستوكهولم المركزي

وعلى خلفية ذلك أصدرت وزارة الخارجية العراقية بيانا ادانت فيه سماح السلطات السويدية بهذا الفعل، واستدعت السفيرة السويدية في بغداد لإبلاغها باحتجاجها، وطالبت بتسليم المواطن عراقي الجنسية ليتم محاكمته وفق القانون العراقي، كما شارك عشرات العراقيين في تظاهرة أمام السفارة السويدية في بغداد كرد فعل احتجاجي على الحادثة مطالبين بطرد السفيرة السويدية . 
 كما طالب وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، الجمعة، 30 حزيران 2023 منظمة التعاون الإسلامي بعقد جلسة طارئة واستثنائية لبحث مسألة الإهانة والإساءة التي وجهت للقرآن الكريم.   
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية أحمد الصحاف :إن "وزير الخارجية قدم طلبا لمنظمة التعاون الإسلامي بعقد جلسة طارئة واستثنائية لبحث مسألة الإهانة والإساءة التي وجهت للقرآن الكريم أمام مسجد ستوكهولم في السويد وبحث أهم الإجراءات التي ممكن اتخاذها بهذه الشأن".   

وفي اول تعليق سويدي رسمي حول الحادثة، قال رئيس الوزراء السويدي، أولف هجلمار كريستنسون، :إن قرار الشرطة بالسماح بحرق القرآن الكريم، “غير مناسب”. 
ونقلت وكالة رويترز للأنباء، عن كريستينسون،قوله خلال مؤتمر صحفي في ستوكهولم: ”هذا قانوني ولكنه غير مناسب..  لن أتحدث عن تأثير الإجراء على عملية انضمام السويد إلى الناتو”، مضيفا أن “الإذن بحرق القرآن هو من اختصاص الشرطة” مضيفا : “أعتقد أننا نعيش في وقت نحتاج فيه إلى التزام الهدوء والتفكير فيما هو الأفضل لمصالح السويد على المدى الطويل". 
 
وأدانت الحادثة 14 دولة عربية حتى بينها، ومصر، والأردن، وفلسطين، والمغرب، ولبنان، والعراق والجزائر، وليبيا، وقطر، والإمارات والكويت وسلطنة عمان، والسعودية، والبحرين، ودول إسلامية اخرى منها تركيا، وإندونيسيا، وماليزيا، وباكستان وأفغانستان وإيران، وعلى مستوى الهيئات والحركات، أدانت الحادثة كل من منظمة التعاون الإسلامي، ومجلس التعاون الخليجي، والجامعة العربية، والبرلمان العربي والأزهر، وهيئة كبار العلماء بالسعودية ورابطة العالم الإسلامي والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورابطة علماء فلسطين، وهيئات اسلامية اخرى في مختلف دول العالم. 
 
كما توافد محتجون عراقيون الجمعة 30 حزيران 2023 الى مبنى السفارة السويدية في بغداد للمرة الثانية ، للتنديد بحادثة حرق القرآن الكريم في السويد ، في تعبير رافض لهذا الفعل الذي يتكرر بين فترة واخرى واصفين الفعل بانه مخطط سياسي اكثر من كونه فعلا فرديا متطرفا، ويستهدف التعايش السلمي بين الاديان. 
 

رئيس الوزراء السويدي :إن قرار الشرطة بالسماح بحرق القرآن الكريم، “غير مناسب”. 
ونقلت وكالة رويترز للأنباء، عن كريستينسون،قوله خلال مؤتمر صحفي في ستوكهولم: ”هذا قانوني ولكنه غير مناسب

لم تكن حادثة حرق نسخ مطبوعة من القرآن الكريم بالجديدة، بل حدثت أول مرة عام 1530 وهي نفس السنة التي ترجمت فيها أول نسخة للقرآن الكريم من العربية إلى اللغة اللاتينية، وتكررت عدة مرات أثناء الحروب الصليبية ، ولن يكون "سلوان موميكا " المتطرف الاخير الذي يحرق المصحف، على مايبدو . 
 وبالعودة الى تأريخ حرق القرآن الكريم بعد فترة الحروب الصليبية فانه قد بدأ بعد هجمات 11 أيلول سبتمبر، وما أعقبها من غزو أمريكي لأفغانستان، وما رافق ذلك من هجوم عنيف على الإسلام، ووصفه بالإرهاب، ليأتي بعد ذلك العام 2010 حينما أعلن قس أمريكي يدعى "تيري جونز" داعيًا إلى حرق نسخ من القرآن بدعوى أن كتاب المسلمين المقدس يدعو للإرهاب والتطرف، وهو ما أدى حينها إلى مظاهرات غاضبة في عدد من الدول الإسلامية، أدت إلى تراجعه عن هذا الفعل الإجرامي. 

كما وجدت دعوات القس "تيري جونز"  صداها لدى الجنود الأمريكيين عام 2014 ، إذ قام هؤلاء الجنود بإحراق مصاحف في قاعدة باغرام الشهيرة، وتزامن ذلك مع إحراق محققين أمريكيين لمصاحف في غوانتنامو، وهو ما أدى إلى مظاهرات غاضبة في بلدان إسلامية عديدة، واتخذ الأمر طابعاً سياسياً ايضا بعد توترعلاقات الغرب مع العالم الإسلامي على خلفية غزو أفغانستان والعراق.

وتزايدت حالات حرق القرآن في أوروبا في العقد الماضي ، حيث اعتقلت الشرطة البريطانية عام 2014 شابا قام بتمزيق نسخة مترجمة للإنجليزية من القرآن الكريم ووضعها في التواليت ومن ثم حرقها، قبل أن تفرج السلطات عنه بكفالة.  
 

مجلس القضاء الاعلى يصدر مذكرة قبض بحق حارق القران الشاب "سلوان صباح متي"

وفي عام 2015 أحرق رجل دنماركي يبلغ من العمر 42 عاما نسخة من المصحف الشريف في فناء منزله الخلفي ونشر مقطعا مصورا بذلك ، وبعد نحو عامين، وجهت إليه السلطات الدنماركية تهمة التجديف"الكفر" بسبب حرقه نسخة من القرآن، والتي يعاقب عليها القانون بالسجن 4 أشهر كأقصى حد، لكن الادعاء العام قال إنه في حال إدانته بالتهمة الموجهة إليه سيتم تغريمه فقط. 
وتكرر الأمر عدة مرات بين عامي 2019 و2022 في كل من السويد والنروج، دون اتخاذ إجراءات قضائية حازمة تجاه الأشخاص المتطرفين ، بدعوى "حرية التعبير". وهذا ما أكده وزير العدل السويدي حينها  مبررا أفعال المتطرفين والسماح لهم بحرق نسخ القرآن، و بحماية الشرطة في مؤتمر صحافي بقوله "نعيش في ديمقراطية فيها حيز واسع جداً لحرية التعبير والإعلام، ونحن نعتز بذلك، ولا توجد لدينا أي نية بتضييق مجال الحريات ، حتى جاء يوم 28 حزيران 2013 ليتوج المتطرف "سلوان موميكا " هذه الافعال ويحرق مجددا نسخة من المصحف الكريم في اول ايام عيد الاضحى المبارك في السويد ، على مرأى من السلطات السويدية التي صرحت له بذلك ، ليستمر مسلسل استفزاز مشاعر المسلمين ومعتقداتهم . 
 
 يبدو ان مفهوم حرية التعبير في العالم قد انحرف عن مفهومه الحقيقي واخذ يلبي الاضطرابات النفسية التي يعاني منها بعض المتطرفين والمتشددين تجاه الاسلام ككيان والقرآن الكريم كرمزية للمسلمين، وهذا بحد ذاته يصنف ارهابا فكريا يحارب التعايش السلمي بين الاديان ويفند دعوات الغرب لنبذ الكراهية والتطرف العنيف المؤدي الى الارهاب ، وحرق نسخ من المصحف الشريف يدخل حتما في باب العنف الذي يثير مشاعر المسلمين في كل بقاع الارض. 

لم تكن حادثة حرق نسخ مطبوعة من القرآن الكريم بالجديدة، بل حدثت أول مرة عام 1530 وهي نفس السنة التي ترجمت فيها أول نسخة للقرآن الكريم من العربية إلى اللغة اللاتينية

العراق وهو المعني الاول بتداعيات هذا الفعل كون الفاعل ينحدر من اصول عراقية، ندد بقرار السلطات السويدية منح هذا "المتطرف" إذناً بإحراق نسخة من المصحف ، فيما تمكّن عشرات المتظاهرين العراقيين من اقتحام مقرّ السفارة السويدية في بغداد.  
 
منظمة التعاون الإسلامي من جانبها قالت : إن "الاعتداء السافر والمتكرر على عقيدتنا الإسلامية بحجة حرية الرأي يكرّس الكراهية والتناحر، فالمساس بالمقدسات يعمق المواجهة القيمية والأيديولوجية". 
 
هل باتت حرية التعبير عند الغرب محصورة في حرق القرآن الكريم والتطاول على الإسلام؟! وهل يعني حرق نسخ من القرآن الكريم في كل مرة القضاء على الاسلام فكرا ودينا وعقيدة ؟ كلا بالطبع فما يحرقه المتطرفون من نسخ للمصحف الشريف وعلى مدى التأريخ هو مجرد كلام مطبوع على ورق محفوظ في كتب ، والقرآن هو اللسان الناطق بالحق وبتعاليم الخالق جلت قدرته ، ولن تجدي هذه الافعال نفعا اذا ماعلمنا ان كلام الله راسخ في القلوب والعقول ، لكنها لاتعدو كونها محاولة اعلامية فاشلة لتشويه الدين الاسلامي او اظهار الكره والامتعاض علنا لما ورد في القرآن الكريم من قيم انسانية نبيلة وحرية وعدل ومفاهيم تنظم حياة البشر وتضفي الطمأنينة والسكون على نفوسهم وتضع خطوط حمر امام تشويه الانسان وتردي الاخلاقيات، وسط مرحلة من الانفلات الاخلاقي يعيشها الغرب  . 
 

تظاهرات امام السفارة السويدية في العراق احتجاجا على السماح بحرق المصحف في ستوكهولم

في جانب آخر لابد للعالم الاسلامي ككل ممثلا برجال الدين والعلماء والمؤسسات الدينية المعنية ان ياخذوا بنظر الاعتبار خلفية الاقدام المتكرر على حرق القرآن الكريم ، ويواجهوا الحقيقة بدراسة حيثيات هذه الافعال ولا ينساقوا فقط وراء الفعل وردة الفعل والتنديد والتظاهر، بل عليهم ان يعرفوا ان ثمة من يشعر ب "الخذلان" مثلا من بعض من يمثل الدين او ممن يتوارون خلف عباءة الدين الاسلامي ليمرروا غاياتهم ، وعلى المتصدين الحقيقيين من علماء ورجال دين ومؤسسات دينية ان يواجهوا هذا المد الالحادي برحابة صدر ويثقفوا للدين من ابواب اخرى ،آخذين بنظر الاعتبار اختلاف الازمان والاجيال والتطور المتسارع في العالم وفي كل المجالات . 
 
ان التحديات الكبيرة التي تواجه الأمة الإسلامية تحتم على علماء الإسلام وعلى مختلف مشاربهم ، ضرورة توحيد الخطاب الإسلامي ، لمواجهة الحملات التي تدعو الى الكراهية والعنف والالحاد ، وهي بطبيعة الحال تستهدف العقيدة الاسلامية بشكل مباشر من خلال العبث بكتاب الله القرآن الكريم وهو الرمزية التي يعتز بها كل مسلم. 
 
لايمكن لاي فعل متطرف او اجرامي مهما كان ان يقوض العقيدة الاسلامية والمعاني التي انزلت في كتاب الله عز وجل ،حيث يقول الله سبحانه في محكم كتابه العزيز : بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} صدق الله العظيم، فكتاب الله ليس ورقا يحرق او كلمات تذوبها النار ،بل هي عقيدة ولسان يتحدث بماورد في القرآن الكريم الذي انزل على نبيه الأكرم محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ، وبالنتيجة فالقرآن مطلب كل البشرية غربا وشرقا ، فهو الدعوة للحرية والتسامح والعدل ، وكل انسان على وجه هذه الارض لايختلف في طلب هذه المفاهيم والسعي خلفها.  
 
لم تفلح على مدى التاريخ كل الحملات المتطرفة العدائية على الدين الإسلامي ومقدساته، بدءًا من الرسوم المسيئة للنبي( صلى الله عليه وسلم)، وكذلك الحملة المتطرفة على النقاب في دول الغرب ، وليس انتهاء بحملات حرق المصحف وهي مؤشرات لها مدلولات عميقة ، ابرزها الصراع بين الحضارات وتباين الاخلاق بين الشعوب الاسلامية والغربية ، لكن الصراع الحقيقي يبقى صراعا نفسيا بين المرء ذاته وتبقى الحاجة ملحة للتثقيف بأسس الدين الاسلامي الحنيف الحق وليس مايراه الغرب من الاسلام بوصفه "ارهابا" ، وعلى علماء ورجال الدين وسياسات الدول الاسلامية ان تظهر للعالم بان الاسلام ليس دين ارهاب فيُحارب، وبذات الوقت على دول الغرب التي تدعي حرية التعبير والديمقراطية ان تشرع قوانين تواكب ما نحن فيه من صراع قيمي وتحرم المساس بمعتقدات الآخرين مثلما تمنع هي المساس بمعتقداتها .

 



اختيار المحررين