وطن عشوائي ..

13851 مشاهدة
07:53 - 2023-04-25
تقاریر و تحقیقات

 الداعي نيوز / تقارير وتحقيقات  
 
على مدى عقدين وبعد عام 2003 ، تفاقمت ظاهرة العشوائيات في المدن العراقية وخلقت مشاكل اجتماعية وخدمية وامنية ،وسط صمت حكومي وعجز مؤسساتي ، ولم تفلح السلطتان التشريعية والتنفيذية بوضع معالجات حقيقية لهذه الظاهرة التي شوهت معالم المدن واربكتها بتخمة سكانية لامعالم لها وبات المواطن ممن يمتلك او لايمتلك سكنا حرا في اختيار مايشاء من ارض الله الواسعة ليبني عليها دارا او يتخذ منها مجمعا تجاريا او موقفا للسيارات وغيرها ، حتى ان اغلب مناطق العراق وخصوصا العاصمة بغداد اكتظت بتلك المجمعات السكنية والتي تم التجاوز على الارض التي بنيت عليها ، وفي الغالب هي اراض تابعة للدولة اوحتى لاشخاص غادروا البلاد لاسباب امنية ، حيث تنتشر آلالاف من المنازل المبنية بالطوب والطين أو الصفيح وبعدها بالطابوق والحديد المسلح عند مداخل المدن العراقية أو في الساحات العامة. 

وزارة التخطيط: وجود اكثر من 4000 مجمع سكني عشوائي في العراق

مسؤولون حكوميون يؤكدون إن "معظم المجمعات العشوائية التي أنشئت بعد عام 2003 كانت على أراض مخصصة لبناء مشاريع استراتيجية، ومناطق زراعية، لكن حاجة السكن الملحّة للمواطنين في ذلك الوقت دفعتهم إلى بناء منازلهم بهذه الطريقة التي عكست صورة سلبية عن البناء العمراني في العراق ، حيث بنيت تلك المجمعات بطرق غير قانونية وأصبحت فيما بعد واقع حال فرض على الدولة بمباركة الاحزاب والقوى السياسية التي تتخذ من سكان هذه العشوائيات ملاذا امنا وقت الانتخابات وتمنع اي تحرك لازالتها او ايقافها ، بل على العكس تسعى الاحزاب ومثلو البرلمان العراقي الى تسهيل دخول المواد الانشائية الى تلك المناطق من اجل استمرار البناء فيها ولا يهم ان تشوهت معالم المدن او انها تمثل حالة غير قانونية بل المهم لدى هؤلاء هو بقاء سكان العشوائيات اصواتا انتخابية موسمية . 
وزارة التخطيط، كشفت عن وجود نحو 4000 مجمع سكني عشوائي في العراق، تضم نحو 522 ألف وحدة سكنية يسكنها قرابة 3 ملايين و400 ألف شخص في عموم البلاد.  
المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، اوضح أن "الوزارة عملت على قانون تمليك العشوائيات بالتعاون مع المنظمات الدولية، وعند إقرار هذا القانون فلن يُسمح بظهور أي عشوائية جديدة" ،وبشأن الحلول المقترحة لتلك المشكلة، بين أن وزارة التخطيط وضعت خريطة طريق بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للمجمعات البشرية (الهيبتات) للحد من العشوائيات، تمثلت بإجراء مسح ميداني للوقوف على خصائص السكان وبناء معطيات عن نوعية التدخل المطلوب ، مشيرا إلى أن الوزارة قدمت مسودة قانون لمجلس النواب لكيفية معالجة هذه الأزمة، يمثل غطاءً قانونياً للمعالجة، ويتضمن مسارات عدَّة، منها تأهيل العشوائيات، وبناء مجمعات سكنية منخفضة الكلفة، وتمليك العشوائيات مقابل ثمن تتم دراسته من قبل المجلس لإقراره إذا ما توفرت الظروف المناسبة". 

لم تتعامل الحكومات العراقية منذ عام 2003 مع ملف العشوائيات بشكل جدي، وبما يتناسب مع حجم المخاطر التي تشكلها هذه المجمعات العشوائية التي باتت مسرحاً للجريمة المنظمة وتجارة الممنوعات 

تعد أغلب المجمعات العشوائية في العراق مناطق رخوة أمنياً، ومستغلة من قبل الجماعات المسلحة وعصابات التسول، فضلاً عن انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات داخل تلك المجمعات. 
مصدر في وزارة الداخلية يقول: ان "عدم السيطرة أمنياً على هذه المناطق يعود  إلى إشغالها من قبل عائلات معظمها من محافظات أخرى والمناطق الشعبية المكتظة بالسكان"، مشيرا الى أن الجهات المعنية بالملف الأمني لهذه المناطق لا تملك معلومات كافية عن أهالي تلك المجمعات نتيجة لتنقلاتهم المستمرة من مكان لآخر وليس لديها قاعدة بيانات ثابتة يمكن تتبعهم من خلالها امنيا. 
 
 لم تتعامل الحكومات العراقية منذ عام 2003 مع ملف العشوائيات بشكل جدي، وبما يتناسب مع حجم المخاطر التي تشكلها هذه المجمعات العشوائية التي باتت مسرحاً للجريمة المنظمة وتجارة الممنوعات"، ويعد تغاضيها عن الامر بمثابة تشجيع على استمرار السكن في هذه المجمعات غير القانونية. 
الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم، اوضحت إن "معظم هذه المجمعات هي ممتلكات عامه للدولة تم الاستيلاء عليها بطريقة غير قانونية، وكان من المفترض أن تشيّد عليها مشاريع استراتيجية"، مشيرة الى أن الاستيلاء على الممتلكات العامة أدى إلى استنزاف ميزانية الدولة بمليارات الدولارات طيلة السنوات الماضية . 
وتضيف سميسم ،أن "بناء هذه التجمعات بهذه الطريقة خلق بؤرة اقتصادية لقطاع العمل غير النظامي، وكذلك رواج النشاطات الاقتصادية غير المشروعة، كالمتاجرة بالسلاح والمخدرات وممارسة نشاطات ممنوعة أخرى، كونهم بعيدين عن سيطرة المدن الكبرى". 

عشوائيات العراق.. مناطق خارج ادارة الدولة 

والمحت سميسم، إلى أن "الحكومة العراقية فشلت طوال 20 عاما في تأطير سكان هذه المجمعات بأطر قانونية، لذلك يتوجب على الحكومة إعادة تشكيل هذه الطبقات من خلال توفير سكن نموذجي منخفض الكلفة كحل نموذجي لحل هذه المشكلة"، متوقعة أن تتجاوز كلفة حل هذه المشكلة مبلغ الـ10 مليارات دولار كحد أدنى. 
في الجانب الاخر من هذا المف الشائك، باتت المدن التي يبنيها السكان بشكل عشوائي اوطانا لهم تضمن للسياسيين المال عبر بيع الأراضي لعامة وقطع الاراضي في زيونة، موضحا ان هناك اطرافا سياسية وجماعات مسلحة تبحث عن موطئ قدم لها في المنطقة، مشيرا الى بناء عشرات الدور على اراضٍ عائدة لأملاك الدولة ان كانت امانة بغداد او بقية الوزارات، مؤكدا ان بعض ذلك يتم بموافقات الجهات المعنية حسبما يقول البعض ممن شيدوا بيوتا على تلك القطع. 
 
لم تعد الحكومة بكل مؤسساتها فضلا عن السلطة التشريعية تفرض سيطرتها على املاك الدولة أمام الكم الهائل والمخيف من التجاوزات والخروقات القانونية على تلك الاراضي والاملاك، وهذا مايؤكد ان الفساد الاداري والمالي وفرض سلطة الاحزاب هو المتحكم حتى بالقانون في ظل غياب واضح لرؤية اسكانية او خطط مستقبلية تستوعب سكان العشوائيات وتعيد املاك الدولة للاستفادة منها بمشاريع تخدم المواطن العراقي وترتقي به ، ولابد من الاشارة هنا الى ان المتجاوز ليس فقط مواطنا عاديا فقيرا بل يشترك معه سياسي فاسد ومتنفذ في الحكومة ومافيات تقف خلفها احزاب كبيرة . 

لم تعد الحكومة بكل مؤسساتها قادرة على فرض سيطرتها على املاك الدولة أمام الكم الهائل والمخيف من التجاوزات والخروقات القانونية على تلك الاراضي الأملاك

ظاهرة انتشار التجاوزات على الاراضي في العراق وبشكل متواصل دون توقف تؤكد عدم وجود نية لدى الحكومات المتعاقبة بما فيها حكومة السوداني الاخيرة لفك لغزها وحل تلك المشكلة بشكل يضمن هيبة الدولة وسلطة القانون ، وعلى مايبدو فان الامر كله بيد عصابات الاراضي والتي تعود مرجعيتهم الى احزاب متنفذة وتيارات ومليشيات مسلحة هي من تتحكم بهذه الاراضي وتبتلعها مع علم الدولة وفي وضح النهار، ويؤكد ايضا ان الكثير من القوى السياسية لاتمتلك الارادة الحقيقية لبناء وطن كريم وبلد يليق بالمواطن العراقي ، لانها تلتفت الى مصالحها واعداد الاصوات في كل موسم انتخابي ، حيث تشكل العشوائيات كنزا لهؤلاء يغترفون منه مايشاؤون من الاصوات مقابل فتات السكن متفضلين به على الناس وهو ليس ملكهم، فالسكن بالنسبة للمواطن اهم حتى من الحرية والكرامة لانه الكرامة بحد بذاتها ، وقد لعب السياسيون الفاسدون على وتر الكرامة بالاهانة ، لكن عند الناس "الي يشوف الموت يرضى بالصخونة"،لتبقى العشوائيات ازمة وطن مستمرة لن تحلها حكومة او برلمان لانهما شريكان بتشويه الوطن .

 

اختيار المحررين