الرصاص المنفلت !

18849 مشاهدة
06:53 - 2023-03-06
تقاریر و تحقیقات

الداعي نيوز/ تحقيقات وتقارير   

تشهد اغلب مدن العراق حوادث قتل وتصفيات لشرائح متنوعة ومهمة في المجتمع، وعودا على بدء وبعد توقف نسبي يستأنف مسلسل الاغتيالات عرض حلقاته وسط وضع امني ليس له ملامح وصراع اختلطت فيه النزاعات العشائرية بالتصفيات السياسية والطائفية والقومية وارهاب يتحين الفرص بين كل هذا، ليفتح ثغرة جديدة في جسد البلد ، حيث يتمزق النسيج المجتمعي بين حوادث اغتيال شبه يومية ونزاعات مسلحة لغايات حتى وان كانت جنائية لكنها بالتالي تعود بالتفسير لكون اساسها طائفي او قومي تديرها السياسة واربابها، لتغيير معالم المدن والمحافظات العراقية طبوغرافيا .    

الطبيب احمد طلال المدفعي الذي اغتيل في مدينة بعقوبة مركز محافظة ديالى

تجددت في الآونة الاخيرة عمليات الاغتيال في العراق، تحت دوافع شتى منها من ينطوي على خلاف عشائري أو قضية جنائية، بينما توجه أصابع الاتهام إما إلى عناصر "داعش" أو الفصائل المسلحة أو عصابات اخرى منظمة ترتبط بشكل او باخر بسياسيين او احزاب. 

في منتصف شباط الماضي 2023، اغتيل سعد محسن الدليمي وهو ضابط طيار برتبة عقيد ركن في الرمادي، كبرى مدن محافظة الأنبار، من دون معرفة الأسباب والدوافع،، أعقبه الإعلان عن اغتيال مسلحين للطبيب أحمد طلال المدفعي وسط مدينة بعقوبة مركز محافظة ديالى شرق العراق وهو أحد أشهر استشاريي طب القلب، واغتيال العقيد في الجيش العراقي السابق عامر المجمعي في قضاء الخالص شمال بعقوبة وتبعها اغتيال مسلحين للمدرس المتقاعد عبد الرسول الأنباري في محافظة بابل جنوب بغداد، وكذلك اغتيال مسؤول في الجبهة التركمانية بعبوة لاصقة وضعت اسفل مركبته في كركوك، دون التعرف على ملابسات تلك الحوادث ومن يقف وراءها، وكيف افلت المنفذون ولم يتم التعرف عليهم ولماذا في هذا التوقيت بالذات! 

أثارت حادثة اغتيال طبيب القلب احمد طلال المدفعي، غضباً واسعا في مختلف الأوساط بمحافظة ديالى، وسبق اغتيال المدفعي مقتل تسعة أشخاص من بينهم نساء، وإصابة 10 آخرين إثر هجوم شنه مسلحون،على عدد من الفلاحين أثناء تواجدهم داخل حقولهم الزراعية في قرية الجبايلة التابعة لقضاء الخالص في محافظة ديالى. 

يرجح خبراء استراتيجيون، بإن "فصائل مسلحة تنضوي تحت جناح الحكومة مرتبطة بتنفيذ هذه العمليات، معتمدة في ذلك على نفوذها وتحكمها بمقدرات الدولة وتغلغلها اجتماعيا ضمن مناطق سكناها "

واغتيل ناشط مدني في محافظة بابل، جنوب بغداد، بينما اختطف الناشط البيئي المعروف والمعني بالأهوار جاسم الأسدي الذي أطلق سراحه بعدما أثارت عملية اختطافه ضجة كبيرة ،التوقيت الحرج لهذه الحوادث يؤكد انها ليست جنائية بل هي حوادث منظمة ودوافعها وان خفيت لكن تفسيرها لايعصى على المتتبع والمراقب لما يدور على الساحة العراقية من صراعات بالوان شتى ، تترجم على ارض الواقع على شكل جرائم خطف واغتيال وتهديد وهجوم على قرى امنة .  

نواب في البرلمان العراقي ومتخصصون في مجال حقوق الإنسان وناشطون حذروا من عودة مسلسل الاغتيالات الذي قد يمهد لمرحلة صعبة في ظل وضع سياسي اصعب وحكومة غير مكتملة الوقت تحاول تلميع القشور، بينما "اللب عفن ". 

عضو البرلمان العراقي عن محافظة ديالى، أحمد مظهر يقول ، "في الوقت الذي لم يتبقَّ من داعش سوى جيوب في سلسلة جبال حمرين (بين ديالى وصلاح الدين وكركوك) فإن العصابات المسلحة المنفلتة والمجرمة هي التي أخذت الدور في قتل الناس وترهيبهم". ولكن السؤال الاهم من هي هذه تلك العصابات المنظمة ؟ واين الاجهزة الامنية والاستخبارية من كل هذا ؟ وهل باتت العصابات فعلا بديلا عن داعش ؟ يبدو الوضع اخطر مما يتصوره الناس ، حيث يخيم مشهد الخوف من عودة الاغتيالات على الشارع العراقي مجددا، مع  تراجع أمني ملحوظ شهدته محافظات عدة . 
لم يكن مشهد الاغتيالات غائبا طيلة السنوات الماضية، بل تجدد وبقوة وشكل الأطباء والناشطون والصحفيون والكتاب والفنانون والضباط وأساتذة الجامعات والتجار ووجهاء العشائر وعدد من السياسيين أبرز ضحايا هذه العمليات، التي مازالت تتصاعد ويتراجع معها الوضع الامني بشكل عام .  

الطيار سعد محسن الدليمي الذي اغتيل في محافظة الانبار

ويرجح خبراء استراتيجيون، بإن "فصائل مسلحة تنضوي تحت جناح الحكومة مرتبطة بتنفيذ هذه العمليات، معتمدة في ذلك على نفوذها وتحكمها بمقدرات الدولة وتغلغلها اجتماعيا ضمن مناطق سكناها "، بحسب قولهم. 

ويرى هؤلاء الخبراء ،أن هذه الفصائل "تستغل ما يتمتع به العراق من الدعم والتأييد الدولي الذي تحظى به حكومة محمد شياع السوداني، للقيام بمسلسل الاغتيالات من جهة، والعمل على إجراء تغييرات ديموغرافية من جهة أخرى، حيث تحتاج الفصائل لمناطق التغيير سعياً لتنفيذ اجنداتها ومتطلبات اجنحتها السياسية . 

المحلل السياسي كتاب الميزان، يؤكد وجود "ارتباط بين عمليات الاغتيال في المحافظات التي شهدتها وتنوعها السكاني المذهبي والقومي"، مشيرا الى أن توقيت الاغتيالات مرتبط بالاستعداد السياسي للانتخابات،لاسيما انتخابات مجالس المحافظات، مبيناً ان "الهدف هو التصعيد وشحن المنطقة طائفياً وإعادة التخندق الطائفي، مضيفا  "أن فصائل مسلحة بدأت تنشط وتنفذ عمليات الاغتيال هذه، كي تستخدمها وتوظفها سياسياً وعقائدياً، فعندما تنتهي الجهات السياسية التي تحمي الفصائل المسلحة، ستحاول الأخيرة أن تعيد نفسها إلى الواجهة من جديد عبر الشحن الطائفي". 

وترفض الاجهزة الأمنية العراقية وكالمعتاد الحديث عن تراجع الملف الأمني الذي تسبب في حدوث هذه الهجمات، وتؤكد أن الأوضاع الأمنية مستقرة وتحت السيطرة، على الرغم من أن الأشهر الاولى من عام 2023 وماسبقها في الاشهر الاخيرة من عام 2022 ،شهدت اغتيالات عديدة استهدفت ضباطا سابقين وناشطين وشخصيات اجتماعية في مختلف محافظات العراق. 

قائممقام بعقوبة عبدالله الحيالي اكد أن "منفذ عملية اغتيال الطبيب أحمد المدفعي، ينتمي إلى جهة تخشاها الأجهزة الأمنية أكثر مما تخشى مراجعها الأمنية"

القوات الأمنية العراقية تقول انها بدأت التحقيق في جرائم الاغتيالات الاخيرة فوراً، وتنفيذ إجراءات رادعة للعصابات والجهات التي تقف خلفها وانها ستتوصل إلى منفذي الاغتيالات في أقرب وقت،وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني قد وجه بالتحقيق "فورا"  بهذه الحوادث حيث قال مصدر امني ،ان "توجيهات مباشرة صدرت من قبل السوداني للتحقيق الفوري في ملابسات اغتيال العقيد في الجيش العراقي السابق عامر المجمعي في قضاء الخالص (20 كم شمال بعقوبة) بعد تقديم 9 نواب طلبا مباشرا لتدخل السوداني شخصيا"، مضيفا ان "فريقاً مختصاً بدأ فعلياً بعد دقائق من ارتكاب الجريمة التي تعد الأولى من نوعها منذ سنوات في الخالص، وأثارت ردود فعل شعبية غاضبة وسط حالة قلق من ان تكون حوادث الاغتيالات الاخيرة محاولة من قبل جماعات مسلحة لخلط الأوراق والتاثيرعلى الوضع العام . 

المستشار القانوني في المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب، أزهر الشمري، يقول" إن تصاعد أعمال العنف والتراجع الأمني الذي شهده العراق مؤخرا بعد فترة من الهدوء النسبي، يأتي في نطاق التنافس السياسي والانقسامات بين الكتل السياسية التي تلقي بظلالها على الواقع الأمني في بعض محافظات العراق" ،ويؤكد"من واجب الحكومة حماية المدنيين في أي ظرف كان، وبذل كافة الجهود لحماية المدن والقرى من أي هجوم، لكن عدم الكشف عن هوية الجهات أو الأشخاص المتورطين في تنفيذ هذه العمليات يشير إلى وقوف جهات متنفذة خلفها". 

ديالى .. اكبر المتضررين  

محافظ ديالى، مثنى التميمي، صرح خلال مؤتمر صحفي سابق، عقده بحضور مسؤولين وقيادات أمنية في المحافظة ، إن "حادثة اغتيال الطبيب أحمد طلال المدفعي هي  الأولى منذ 5 سنوات، وهي منعطف لم تشهده المحافظة خلال السنوات الأخيرة، وأن الحكومة المحلية وقادة الأمن جادون في معالجتها ومنع تكرارها". 

وزير الداخلية العراقي عبد الامير الشمري

وأكد التميمي، تقدم عمليات التحقيق والتحري حيال حادثة اغتيال الطبيب وكشف تفاصيلها، معتبراً الحادثة "خلطا للأوراق تقف وراءه أغراض سياسية" ، معلنا عن تدابير أمنية واستخبارية لحماية الكوادر الطبية من التهديد والاستهداف. 

ويؤكد قائممقام بعقوبة عبدالله الحيالى، أن "منفذ عملية اغتيال الطبيب أحمد المدفعي، ينتمي إلى جهة تخشاها الأجهزة الأمنية أكثر مما تخشى مراجعها الأمنية" بحسب قوله ، مشيرا الى أن "اغتيال الطبيب عمل ممنهج لا يتجرأ على القيام به أي مواطن بسيط إلا العصابات المتنفذة، ما يتطلب تكاتف جهود الأطراف الحكومية والأمنية للوقوف بوجه العصابات لأنهاء الرعب الأمني". 

النائب عن ديالى أسماء كمبش، حذرت بدورها من عودة مسلسل إفراغ ديالى من الكفاءات الطبية والعودة إلى المربع المظلم إبان فترة انهيار الأمن الداخلي،  لافتة الى أن "حادثة اغتيال أشهر أطباء ديالى في مكان يعج بالأجهزة الأمنية وأجهزة الرصد في قلب بعقوبة، مؤشر خطير يبث الرعب والقلق من عودة مسلسل استهداف الكفاءات الطبية والعالمية، والعودة إلى المربع الأمني المظلم إبان فترات انهيار الأمن الداخلي قبيل 2007". 
وتساءلت كمبش، "كيف يتم اغتيال طبيب في قلب بعقوبة التجاري وأمام أعين ورصد التشكيلات الأمنية في حادثة هزت مجتمع بعقوبة بين الصدمة والتساؤل عن هوية الجهات التي اخترقت الحواجز والمنظومة الأمنية المكثفة. 

ودعت كمبش ، إلى بيان حقيقة الحادث وتقديم الجناة للعدالة لطمأنة الرأي العام والكفاءات الطبية وتفادي هجرة للكوادر الطبية وافراغ المحافظة منها ،ما يترك تبعات كارثية يدفع ثمنها المواطن البسيط، حيث  ان "الطبيب المغدور لا توجد لديه أي عداءات شخصية أو عشائرية وهو شخص مسالم ومعروف بكفاءته ونزاهته في عموم ديالى". 

كما حذّر النائب عن محافظة ديالى، رعد الدهلكي، من عودة فرق الموت وعصابات الجريمة المنظمة الى المحافظة وقال في بيان ،إن "استمرار مسلسل الاغتيالات وسيناريو استهداف المواطنين في ديالى عاد الى الواجهة من جديد من خلال اغتيال فرق الموت والسلاح المنفلت (الميليشيات الارهابية) احد ضباط الجيش العراقي السابق برتبة لواء المواطن عامر اسماعيل المجمعي قرب فلكة عليبات وسط قضاء الخالص"، مضيفا، أنه "وبعد مجزرة الجيالية واغتيال الدكتور احمد طلال والمغدور عامر المجمعي، فقد اصبح الامر ظاهرة وينبئ بتداعيات خطيرة في مخطط واضح لاستكمال مسلسل الرعب والقتل من خلال تنشيط فرق الموت لبث الرعب بين المواطنين واجبارهم على النزوح من مناطقهم يقابلها تراخي واضح من قبل الجهات الامنية لاسباب لايمكن القبول بها" ، مؤكدا
 

محافظ ديالى مثنى التميمي.. المحافظة التي شهدت عدة اغتيالات مؤخرا

أن "ما يجري هو عدم اكتراث "الميليشيات الارهابية" بالاجراءات الحكومية وهو دليل استهزاء هذه الجهات بضعف الحكومة ورسالة للشارع بهيمنة تلك الجماعات على القرار الامني مدعومة من قبل الجهات الساندة لها من داخل وخارج المحافظة". 

وشدد الدهلكي، على ان الحكومة امام خيارين لا ثالث لهما فاما اتخاذها اجراءات حازمة واكثر جدية لانهاء تلك الفوضى وبسط سلطة القانون بالقوة او ترك الخيار لابنائها للدفاع عن انفسهم وتسليم ملف الامن فيها لاهلها فاهل مكة ادرى بشعابها لان هذا الحال لا يمكن استمرار الصمت عليه اكثر"، داعيا "القائد العام للقوات المسلحة الى الايفاء بما وعد به واشرافه الشخصي والميداني على ملف الامن في ديالى". 

وجهاء وشيوخ عشائر ديالى حذروا من جانبهم من تجدد مسلسل الاغتيالات، بعد القضاء على الإرهاب والحرب الطائفية وترسيخ التصالح والتعايش المجتمعي، داعين الى ردع عصابات الجريمة المنظمة التي باتت أشد خطرا من الجماعات الإرهابية ،مطالبين السلطات الأمنية بمعالجة الاغتيالات المجهولة المتصاعدة في المحافظة لتطمين الرأي العام والحفاظ على التعايش السلمي . 

دائرة صحة ديالى، وعلى خلفية اغتيال المدفعي، اعلنت عن  تنظيم وقفة إحتجاجية في أكثر من 100 مؤسسة صحية داخل المحافظة ،وقال مدير إعلام صحة ديالى، فارس العزاوي إن "الكوادر الصحية في أكثر من 100 مركز ومستشفى صحي وأكثر من 20 وحدة إدارية في ديالى نظمت وقفات إحتجاجية للمطالبة بكشف الجناة في حادثة اغتيال الدكتور احمد طلال المدفعي في بعقوبة.  

واوفد رئيس الوزراء، وزير الصحة الدكتور صالح مهدي الحسناوي برفقة وفد حكومي لزيارة عائلة الطبيب المغدور وضـم الوفد مستشار رئيس الوزراء، ونقيب اطباء العراق ووكيل وزارة الداخلية لشؤون الشرطة، والتقوا محافظ ديالى ومدير عام دائرة الصحة وعددا من الشخصيات والقيادات الأمنية في المحافظة، كما اجرى الوفد زيارة لمنزل الشهيد المغدور الدكتور احمد طلال والتقى بعائلته وقدم التعازي لهم، فيما شهدت الزيارة اتصال رئيس الوزراء محمد شياع السوداني هاتفيا بعائلته مقدما تعازيه ومعلنا عن تضامنه مع ذوي الشهيد ،مؤكدا متابعة القضية شخصياً.  

وهددت نقابات واتحادات ديالى، بتنظيم اعتصام مفتوح لحين الكشف عن الجناة في جريمة اغتيال الطبيب الشهير (أحمد طلال المدفعي) بهجوم مسلح أمام منزله في مدينة بعقوبة الجديدة ،وقالت في بيان مشترك خلال مؤتمر صحفي ،"تلقت الأوساط الرسمية والشعبية في ديالى حادثة الاعتداء الغادر على الطبيب (أحمد طلال المدفعي) على أيدي المجرمين وكانت خسارة كبيرة وفاجعة أليمة". 

وأضافت "ندين وبشدة هذا الفعل الاجرامي كونه يمثل اعتداء على هيبة الدولة وسيادة القانون فيها وتهديد صارخ للأمن السلمي والمجتمعي". 

كما اشار بيان نقابات واتحادات ديالى الى، ان "الشهيد المغدور رمز من رموز المحافظة واغتياله تجاوز على المحافظة وعلى الدستور والقانون وغايته زعزعة أمن المحافظة". 

وطالبت النقابات "رئيسي الجمهورية والوزراء ووزير الداخلية وكافة الأجهزة الأمنية باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة وكشف الجناة وتقديمهم للعدالة"، مهددةً أنه "في حال عدم كشف الجناة بان تكون لهم وقفة اخرى واعتصام مفتوح". 

وعلى ما يبدو فان الأجهزة الأمنية عاجزة عن منع مثل تلك العمليات أو الكشف عن الجناة، خصوصاً أنها حدثت سابقاً عشرات المرات، ولم يتم الكشف عن الجناة، حيث شهد العراق في السنوات الماضية عدداً من عمليات الاغتيال وتشكيل لجان تحقيق، لكن على أرض الواقع لا أثر لهذه اللجان". 
  
السلاح المنفلت والصراع السياسي واجندات الخارج والارهاب، ليست غريبة على الوضع العراقي منذ عام 2003 وإلى الآن ، وعلى مايبدو فان الاجواء مهيأة بشكل كبير لحدوث عمليات اغتيال واسعة في مختلف المدن والمحافظات العراقية خلال الفترة القليلة المقبلة كونها مرتبطة باستمرار الصراع السياسي والتحريض المتصاعد من قبل جماعات خارجة عن القانون . 

ان ملف الاغتيالات والتهديدات والاعتداءات على الكوادر الطبية في العراق من الملفات الخطيرة على السلم المجتمعي، وخلال العام الماضي وماسبقه سجلت مستشفيات العراق حوادث اعتداء مستمرة، طالت عشرات الأطباء والطبيبات داخل المستشفيات، وتعرض كثير منهم للضرب المبرح والجروح والكدمات، من قبل ذوي المرضى أو عشيرته، في وقت شكا الأطباء من عدم وجود حماية أمنية لهم خلال ممارسة العمل وخارجه، ولم يقتصر الامر على الكوادر الطبية فحسب فقد طالت الاعتداءات اخرين ابرياء ومن جميع شرائح المجتمع ، في مسلسل يبدو ان لانهاية له . 

ووفقاً لإحصاءات رسمية، فإن 72 ألف طبيب عراقي ما زالوا خارج البلاد، إذ دفعت بهم الظروف الأمنية والتهديدات التي تعرضوا لها إلى الهجرة، وبلغ عدد الأطباء الاستشاريين العراقيين منهم، ممن يقيمون في لندن وحدها بحدود 4 آلاف طبيب غير الأطباء الجدد، أما في عموم المملكة المتحدة فعددهم يبلغ 60 ألف طبيب، أما في دول أوروبية أخرى وأميركا وأستراليا ودول الخليج فهناك ما لا يقل عن 12 ألف طبيب، في وقت يعاني العراق من نقص بأعداد الأطباء الاستشاريين. 

اغتيالات وتهديد وتهجير مبطن ، وجماعات خارجة عن القانون وقرى آمنة تستباح، واجهزة امنية تصدر بيانات وتشكل لجانا لاحول لها ولاقوة ، وابرياء يسقطون كل يوم ضحايا لتلك العمليات الاجرامية ، هذا هو المشهد الامني الجديد في العراق ، بعد ان قطع اشواطا ساخنة ودفع بالكثير من التضحيات للقضاء على الارهاب الذي مازال يشكل الى جانب الجماعات المسلحة الاخرى تهديدا واضحا، مستغلا تراخي الاجهزة الامنية وصراعات الساسة والتحريض على العنف، وقد نشهد في القريب صفحة اخرى من صفحات طواها العراقيون باغلى مايملكون، في ظل استمرار الانفلات الأمني والعملية السياسية القائمة على المحاصصة والتنافس غير الشريف للحصول على المناصب، فيما يسرح ويمرح العابثون بالأمن من دون محاسبة، وسيبقى هؤلاء طلقاء طالما أن الصراع السياسي والنفس الطائفي يغلف العقول التي اغلقت منطق السلام واختارت السلاح والقوة لعدم قدرتها على استيعاب مفهوم الوطنية والتعايش السلمي بين أبناء البلد الواحد.

 

اختيار المحررين