قدسية الدستور ومزاج الساسة..

17412 مشاهدة
09:18 - 2022-09-20
تقاریر و تحقیقات

الداعي نيوز / تحقيقات وتقارير 

صوت العراقيون على الدستور العراقي في 15تشرين الاول2005، ورغم الخروقات الحاصلة بحقه من قبل الأحزاب والأطراف المتسلطة ونظام الحكم في العراق ، إلا ان ضمان استمرار العملية السياسية مرتبط بالدستور على أساس ضمان الدولة الاتحادية ونظام الحكم الجمهوري التعددي البرلماني الديمقراطي، ووفق مبدأ الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وكما هو مبين في المادتين (1) و(47) من الدستور الدائم، وضمان الحرية والحقوق العامة للمواطنين ، كما حدد الدستور الدائم ان مجلس النواب من اختصاصه حماية الدستور حسب المادة (61) “الفقرة ثانيا: الرقابة على أداء السلطة التنفيذية، والفقرة سادسا\2: انتهاك الدستور”. وأوجب الدستور على رئيس الجمهورية السهر على ضمان الالتزام بالدستور وفق المادة (67) التي تنص على ان ” رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، يمثل سيادة البلاد، ويسهر على ضمان الالتزام بالدستور. 


لجنة كتابة الدستور العراقي 2004

الدستور العراقي بصيغته الحالية تضمن الكثير من البنود المتخلفة، والمثيرة للقلق واخرى قابلة للتأويل والتفسير، كما تضمن مواد حضارية راقية ترسي النظام السياسي ،مثل شرعية التفويض السلمي عبر الانتخابات، والتداول السلمي للسلطة، وإقامة نظام لا مركزي إداري يدرأ عن المحافظات الإهمال والازدراء، وتوزيع الموارد ،في المقابل ثمة بنود تقليدية متخلفة مثل احتمال أن يفتح الباب لإخضاع المؤسسة التشريعية (مجلس النواب) للتجاذبات السياسية والتكتلات لتمرير قوانين قد تلامس روح الدستور لكنها ليست في نصه.  

لاشيء يلوح في الافق لانفراج الأزمة التي يمر بها العراق نتيجة الخلافات بين القوى السياسية حول شكل الحكومة المقبلة ، لاسيما بعد انقضاء وتجاوز المهلة الدستورية التي وضعتها المحكمة الاتحادية كحد أقصى لانتخاب رئيس جديد للجمهورية

لاشيء يلوح في الافق لانفراج الأزمة التي يمر بها العراق نتيجة الخلافات بين القوى السياسية حول شكل الحكومة المقبلة ، لاسيما بعد انقضاء المهلة الدستورية التي وضعتها المحكمة الاتحادية كحد أقصى لانتخاب رئيس جديد للجمهورية والتي تجاوزت الخمسة اشهر منذ 6  نيسان 2022 ،ودخل العراق وفق مختصين قانونيين، "حالة هلامية" لا يمكن تفسيرها أو إيجاد مخارج منها، خصوصاً أن الدستور العراقي لم يضع أي عواقب في حال تجاوز المهل الدستورية، وهو الأمر الذي سيدخل المحكمة الاتحادية كطرف لحل النزاع القائم. 

اعضاء الجمعية الوطنية لكتابة الدستور يصوتون على فقراته 

يبحث الجميع عن مخارج للفراغ الدستوري الذي بدأ عملياً بعد السادس من نيسان الماضي 2022، حيث فسر الخبير القانوني علي التميمي عن "ماذا بعد 6 نيسان  دستورياً؟" بالقول "إن قيام رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي "برفع جلسة انتخاب رئيس الجمهورية إلى إشعار آخر يعني أن الجلسة ستكون مستمرة"، مبيناً أن "معنى الجلسة مستمرة أي أنها افتُتحت بنصاب قانوني وتُفتتح في المرة المقبلة بالنصاب ذاته، وهذا يرفع الحرج عن رئيس البرلمان" واردف أن "الجلسة المستمرة تعني أن رئيس البرلمان لم يحدد يوماً يُعَد خارج إطار ما قدمته المحكمة الاتحادية من تفسير، أي تبقى الجلسة وكأنها ما زالت بتاريخ انعقاد يسبق يوم السادس من نيسان 2022.  
واوضح التميمي أن "على رئيس الجمهورية الحالي برهم صالح وفق المادة 67 من الدستور أن يستفتي المحكمة الاتحادية العليا لمعرفة رأيها في ما وصلت إليه الإجراءات الدستورية لإيجاد مدة أخرى". 
وبشأن مصطلح "الفراغ الدستوري"، لفت التميمي إلى "عدم وجود شيء اسمه فراغ دستوري"، مبيناً أن ما يجري هو "خلافات سياسية انعكست سلباً على الإجراءات الدستورية" مشيرا الى " إن "عمل رئيس الجمهورية الحالي برهم صالح سيستمر وفقاً لقرار المحكمة الاتحادية رقم 24 لعام 2022 إلى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فضلاً عن استمرار حكومة مصطفى الكاظمي في تصريف الأمور اليومية". 

برهم صالح يتسلم رئاسة الجمهورية من سلفه فؤاد معصوم 2018

لكن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدراراد حل مجلس النواب رغم انه معطل بعد سحب كتلته(73) نائبا من البرلمان والايعاز لاتباعه باقتحام المنطقة الخضراء والجلوس في بناية مجلس النواب ،واندلعت في مدن عراقية بينها العاصمة بغداد اشتباكات في 29 و30 أب الماضي، خلفت أكثر من 30 قتيلا ومئات الجرحى وفق مصادر طبية، عقب اقتحام أنصاره عددا من المقار الحكومية بالعاصمة بعد إعلان الصدر اعتزاله العمل السياسي ،ليوجه بعدها  مقتدى الصدر اتباعه بالانسحاب من المنطقة الخضراء،  وكانت الكلمة الفصل هنا للدستور لا للقضاء حيث ان القضاء ارجع الامر الى الدستور اولا واخرا ، فرد دعوى حل البرلمان متشبثا بالدستور والمادة ( 64) منه والتي تنص على أنه يحل مجلس النواب بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه بناءً على طلب من ثلث الأعضاء أو طلب من رئيس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية" ، وقالت المحكمة الاتحادية ، إن قرار حل البرلمان ليس من اختصاصها، رامية الكرة في ملعب البرلمان لاتخاذ هكذا قرار بعد "تجاوز" المدد الدستورية ، مشيرة الى أن "اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا محددة بموجب المادة (93) من الدستور والمادة (4) من قانون المحكمة الاتحادية العليا وليست من ضمنها حل البرلمان"، و أن "استقرار العملية السياسية في العراق يفرض على الجميع الالتزام بأحكام الدستور وعدم تجاوزه ولا يجوز لأي سلطة الاستمرار في تجاوز المدد الدستورية إلى ما لا نهاية"، مشددة على أن "في ذلك مخالفة للدستور وهدم للعملية السياسية بالكامل وتهديدا لأمن البلد والمواطنين" ، لافتة الى أن "الجزاء الذي يفرض على مجلس النواب لعدم قيامه بواجباته الدستورية هو حل المجلس عند وجود مبرراته". 

خرقت القوى السياسية العراقية الدستور منذ كتابته وحتى اليوم بأشكال متعددة، ولم يكن هذا الخرق الأول وهو أمر ليس بالغريب على المشهد العراقي وبموجب عرف سياسي متبع في العراق منذ عام 2006 فإن للكورد منصب رئيس الجمهورية وللسنة رئاسة البرلمان والشيعة لهم رئاسة الحكومة

ويطالب التيار الصدري بحل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، فيما يريد الإطار التنسيقي، الذي يضم قوى موالية لإيران، إجراء هذه الانتخابات لكن بشروط، مطالبا بتشكيل حكومة قبل إجراء انتخابات مبكرة ، حتى اضحت هيبة الدستور وقدسيته ماتزال على المحك والخروقات الدستورية لاتعد ولا تحصى ، والا كيف لايلتزم السياسيون بمواد دستورية وضعوها هم انفسهم وصوت الشعب على  الدستور كضامن حقيقي للعملية الديمقراطية في البلاد . 

انصار التيار الصدري وهم ينصبون الخيام امام بناية مجلس القضاء 

النائب المستقل، محمد عنوز، علق على حالة الفراغ الدستوري في العراق، جراء انتهاء المهلة الدستورية وعدم النجاح بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، بالقول "الخرق ولا الحرق" ،وقال ، إنه "في حال لم يتم انتخاب رئيس للجمهورية وفق المدد الدستورية التي حددتها المحكمة الاتحادية، فإن الرئيس الحالي يستمر بمهامه لحين انتخاب رئيس جديد" ، واشار الى أن "الأعراف السياسية والتوافقات هي الأساس في معالجة العملية السياسية في البلاد منذ الدورة النيابية الأولى وحتى الآن"، مبينا أن "قرار المحكمة الاتحادية الصادر في الأول من آذار الماضي 2022  للبرلمان، بإعادة فتح باب الترشيح لرئاسة الجمهورية لمرة واحدة فقط، وبالتالي يكون  من 6 نيسان 2022، هو السقف الزمني لانتخاب رئيس الجمهورية" الذي خرق هو ايضا وتجاوز بعد هذا التاريخ مايقارب الخمسة اشهر ! 

النائب المستقل محمد عنوز

خرقت القوى السياسية العراقية الدستور منذ كتابته وحتى اليوم بأشكال متعددة، ولم يكن هذا الخرق الأول،وهو أمر ليس بالغريب على المشهد العراقي"،وبموجب عرف سياسي متبع في العراق منذ عام 2006، فإن الكورد يشغلون منصب رئيس الجمهورية، والسنة يتولون رئاسة البرلمان، والشيعة لهم رئاسة الحكومة. 

ويحتاج انتخاب رئيس الجمهورية أن يكون نصاب جلسة البرلمان الثلثين أي أكثر من 220 نائباً، وهو أمر تعذر تحقيقه خلال الجلستين الماضيتين للبرلمان، بسبب مقاطعة الإطار التنسيقي وحلفائه للجلسة على خلفية النزاع السياسي الذي ظهر جليا بينه وبين التيار الصدري وانسحاب كتلة الاخير من البرلمان وتصعيد الوضع شعبيا . 

رئيس المحكمة الاتحادية العليا القاضي جاسم محمد عبود

رئيس مجلس القضاء الأعلى العراقي القاضي فائق زيدان، دعا من جانبه  إلى ضرورة إعادة النظر بصياغة مواد الدستور التي سببت حالة الانسداد السياسي في البلاد ، وقال : "الخروقات الدستورية أو الأفعال غير المقبولة اجتماعيا وأخلاقيا لا يمكن للقاضي مساءلة مرتكبها، سواء مؤسسات أو أفراد، إلا بوجود نص صريح يعاقب عليها وفق الشروط القانونية" ، واستشهد بأن "القضاء يدرك تماما الآثار السلبية للخروقات الدستورية التي حصلت بعد الانتخابات التشريعية في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، المتمثلة بعدم الالتزام بالتوقيتات الدستورية في تشكيل السلطة التنفيذية بشقيها، رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء بحسب نص المادة (66) من الدستور" ، مضيفا أنه "رغم وضوح هذا الخرق الدستوري إلا أن القضاء لم يكن قادرا على معالجته أو مساءلة مرتكبيه بسبب عدم وجود نص دستوري يجيز له ذلك"، وأكد أن "هذه الحالة وغيرها توجب إعادة النظر بصياغة مواد الدستور المعرقلة لتشكيل السلطات الدستورية، والتي سببت حالة الانسداد السياسي وما رافقها من أحداث مؤسفة"،مقترحا ان "يتم النص على جزاء مخالفة أي نص دستوري بنفس النص بصياغةٍ واضحة غير قابلة للاجتهاد أو التأويل". 

رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي فائق زيدان

يشهد العراق أزمة سياسية، زادت حدتها منذ 30 تموز الماضي 2022، حين بدأ أتباع التيار الصدري اعتصاما داخل المنطقة الخضراء في بغداد، رفضا لترشيح تحالف الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني لمنصب رئاسة الوزراء، ومطالبة بحل مجلس النواب وإجراء انتخابات مبكرة، حيث حالت الخلافات بين القوى العراقية، لا سيما الشيعية منها، دون تشكيل حكومة منذ إجراء الانتخابات الأخيرة في 10 أكتوبر 2021، في تكرار لسيناريو يحدث بعد كل دورة برلمانية مايؤكد عدم رسوخ مفهوم الديمقراطية لدى السياسيين من المتصدين للمشهد في العراق ، ويثير تساؤلات شعبية كبيرة ومتكررة عن جدوى وجود "دستور ضامن"  صوت عليه الشعب وخالفه السياسيون وفق مزاج متقلب يصوب نحو المصلحة الحزبية والمنافع الفئوية ، حتى ان الدستور بات مهتوك العرض "لا يهش ولا ينش" في ظل خروقات متكررة جعلت منه مجرد كتاب مركون بين اروقة مجلس النواب ، وبات العراقيون يعولون على القضاء الذي اثبت نوعا ما انه على الحياد، لكن الازمو مازالت قائمة مع غياب روح الوطنية والايثار وحق الشعب الذي انتخب ممثليه وباتوا يمثلون انفسهم ومصالحهم .

الفراغ الدستوري الى اين؟

اختيار المحررين