"الوضوء" السياسي

02:00 - 2024-07-09
حمزة مصطفى

 الداعي نيوز / مقالات  

في السياسة وطبقا لمقولة تنسب  للسياسي البريطاني الداهية وقائدها الى النصر في الحرب العالمية الثانية ونستون تشرشل بانه "لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة, بل مصالح دائمة". ولأن تشرشل كان رئيس وزراء الإمبراطورية التي لاتغيب عن أرضها الشمس   يشتغل سياسة فإن رؤيته لها تنبع من المصلحة التي هي الدائم الوحيد في السياسة. لا الصداقة ولا العداوة يشتغلان في سوق السياسة الذي يحتوي على كل شيء بدءا من المثل العليا الى المؤامرات والإنقلابات وما بينهما من أساليب ملتوية حينا وجارحة حينا آخر, مخفية حينا وصارخة الوضوح حينا آخر طالما أن الملعب مفتوح ويتسع لكل اللاعبين شريطة أن يجيدوا كل أنواع اللعب والمناورات بل حتى المؤامرات ماظهر منها ومابطن ماعدا "الجقلمبات".
ولأننا شهود على مرحلة بحلوها ومرها طوال العقدين الماضيين من الزمن رأينا الكثير من كل شيء ماعدا القليل بل النادر مما يقع في خانة ماهو سياسي. وإذا عدنا الى مقولة ونيستون تشرشل فإن السياسة تقوم بالدرجة الأولى على مبدأ المصلحة. بمعنى لايوجد في العمل السياسي ما يمكن أن يقع في خانة "الصداقة" أو "العداوة" بل المصلحة أولا وأخيرا. لكن لو طبقنا مثل هذه الشروط التي هي بسيطة وشديدة الوضوح على عمليتنا السياسية بعد عام 2003 فإننا نجدها بعيدة كل البعد عن مبادئ العمل السياسي بمعناها الصحيح والواضح والمعمول به في كل أنحاء الدنيا. فنحن وعكس كل العالم الذي يشتغل في السياسة تقوم عندنا السياسة على وفق مبدأ غريب ومفتعل وهو الولاء المطلق أو العداوة المطلقة مع أن المساحة التي يعمل فيها الطرفان لاتستوجب لا الولاء المطلق ولا العداوة المطلقة التي تجعل من الطرفين خصمان ابديان دون منطق أو مبرر منطقي أو معقول.
فهناك من لايريد فلانا لأنه أبيض أو أحمر بينما السياسة ليس فيها الوان قاطعة وثابتة. وهناك من يتحالف مع هذا الطرف اليوم ليكون في اليوم التالي في صف الطرف الآخر دون أن ينبني ذلك على مبادئ عمل أو سياقات واضحة أو حتى فلسفة سياسية تجعل من كل طرف يتمسك بثوابته أو مبادئه. ففي معظم دول العالم هناك موالاة ومعارضة بينما نحن موالاة حين نريد ومعارضة حين نريد. وفي العالم يمين ويسار, فلا اليمين ينتقل لليسار ولا اليسار ينتقل الى اليمين "جقلمبيا". وفي العالم محافظون متشددون أو ليبراليون مرنون وكل واحد منهم متمسك بثوابته السياسية. لا  المحافظون يتخلون عن نهجهم ولا الليبراليون يتخلون عن ليبراليتهم. ومع أنهم متمسكون بما لديهم من ثوابت لكنهم ليسوا من الطراز الذي يمكن أن يقال عنهم فرحون بما هم عليه. فالعمل العمل السياسي عندهم لايقوم على  مبدأ أذهب معك لـ "اللوحة" أو .. أتوضأ قبل أن أنطق إسمك.

تنويه: جميع المقالات المنشورة على موقعنا تعبر عن راي كاتبها

اختيار المحررين