رياضة

توحّش سياسي وأزمات تتفاقم

8818 مشاهدة
11:25 - 2023-09-25
تقاریر و تحقیقات

 الداعي نيوز / تقارير وتحقيقات
 
لم تؤسس الطبقة السياسية التي حكمت العراق بعد 2003 لأي مشروع دولة حقيقي ولم يكن لديها النية للإصلاح السياسي والاقتصادي ،ومازالت الازمات السياسية العراقية الداخلية والخارجية تراوح في مكانِها لاكثر من عشرين عاما كانت كفيلة ببناء نظام سياسي قادر على إحياء دولة غنية بالثروات ، لكن الشلل السياسي الحاد وعجز النظام السياسي عن إيجاد أي حلول للمشاكل التي تعصف بالبلاد صدّع الديمقراطية التي جاءت بديلا للنظام الدكتاتوري والتي عوّل عليها العراقيون كثيرا، لكن الإخفاق في ادارة الدولة ولد مشاكل لاحصر لها.

 

تشكيل اول مجلس حكم انتقالي في العراق بعد 2003

انهار النظام السياسي العراقي بعد عام 2003 ،وحل بدلا عنه نظام جديد يقوم على التبادل السلمي للسلطة والتعددية الحزبية والالتزام بالدستور ،لكن تطبيق النصوص الدستورية يختلف عن كتابتها.
يقول الباحث السياسي عامر حسن فياض ، ان النهج الذي اتبعه النظام السياسي العراقي عبر اتخاذه للمحاصصة والتوافقية كوسيلة لتسلم السلطة ما بين المكونات السياسية قد انعكس سلبا على كل اركان النظام وعلى ادائه وطريقة عمله، كون المحاصصة قامت بتوزيع السلطة على اسس دينية وقومية ومذهبية، ما افقد النظام وحدة بنائه وانسجامه وولّد صراع هويات داخل المنظومة العامة للبلد.
 
قام النظام السياسي في العراق على اساس خاطئ منذ بدايته بالتزامن مع كتابة الدستور، وهو محاصصة الرئاسات الثلاث والمناصب الوزارية، وأعضاء الهيئات المستقلة وتبنى ثقافة قائمة على خدمة الأحزاب والطبقة السياسية وحاشيتها، وتهميش حقوق المواطنين ونهب ثرواتهم، وهذه الثقافة القائمة على رؤية مغلوطة، وعلى مبدأ الأستئثار بالسلطة، لم تنتج سوى العنف والصراع السياسي الانتهازي ومشاكل اجتماعية عميقة وغياب للقانون وانفلات امني ، وخنقت السلطة بعد 2003 العملية الديمقراطية واجهزت عليها مع الحفاظ على شيء من الديمقراطية الصورية المزيفة أمام الرأي العام، ولم يشهد العراق ديمقراطية حقيقية ،فالديمقراطية الحقيقية تعني استقرارا داخليا على جميع الصعد وسياسة خارجية ثابتة لا تشوبها ازمات او تعترضها مشاكل بين الحين والاخر.

قام النظام السياسي في العراق على اساس خاطئ منذ بدايته بالتزامن مع كتابة الدستور، وهو محاصصة الرئاسات الثلاث والمناصب الوزارية، وأعضاء الهيئات المستقلة وتبنى ثقافة قائمة على خدمة الأحزاب والطبقة السياسية وحاشيتها، وتهميش حقوق المواطنين ونهب ثرواتهم

مشاكل وازمات لم تصفّر منذ 2003
العقلية التي حكمت العراق بعد عام 2003، انتهجت مبدأ تقسيم الغنائم عبر الفساد، في ظل غياب واضح للرقابة وتشظي الوضع الداخلي مابين طائفية واحزاب وتقاسم للسلطة على اساس المكونات والانتماءات ، مافتح شهية دول الجوار للتدخل كل حسب من يمثله في الداخل العراقي ، ايران وتركيا ودول الخليج وانتماءات لدول اجنبية اضعفت كلها الداخل العراقي وفاقمت مشاكله حتى بدت الحلول تبعد شيئا فشيئا .
 
ازدادت الاوضاع الداخلية في العراق سوءا مع وجود طبقة سياسية عاجزة عن ايجاد اية حلول، وراح الفساد ينخر في جسد الدولة تحركه المصالح الحزبية والفئوية ، وسط إحباط شعبي تعاني منه شرائح المجتمع على اختلاف الوانها واطيافها، بعد يأسها من إصلاح النظام السياسي الحالي.
 

التفجيرات في العراق

الانتخابات .. المشكلة الازلية
لم يعد العراقيون يثقون بالانتخابات كعملية إصلاح للنظام السياسي بعد ان ايقنوا أن استمرار النظام السياسي الحالي بهذه العقلية التقليدية سيزيد الأوضاع سوءا ،ولا مجال لاصلاح آلية الانتخابات التي لم تكن نزيهة نسبيا بسبب تحكم القوى الكبرى بالمفوضية وآلية الانتخابات ، حيث شهد العراق 6 دورات انتخابية تشريعية، بدأت أولها عام 2005 في انتخاب الجمعية الوطنية التي لم تستمر سوى عام واحد وصولا إلى الانتخابات الأخيرة التي جرت في تشرين الأول 2021، إذ اعتمدت كل دورة انتخابية قانونا وتعديلات مختلفة. 
 
لقد تشكل النظام السياسي العراقي على ارض رخوة، لا تنسجم مع أسس النظام الديمقراطي السليم، وبدأ هذا الخطأ مع كتابة الدستور من قبل اشخاص لايعرفون شيئا عن آليات كتابة الدستور، وقد افرز هذا الدستور نظاما سياسيا معقدا قائما على التقسيم الطائفي وتقاسم السلطة، واختراع مجالس المحافظات والبلديات، ومنح الساسة امتيازات فاحشة، ورسخ أحزابا سياسية فاسدة، لم ينتج عنها إلا فساد دمر البلد وبدد ثرواته وضاعف البطالة والمشاكل الاجتماعية، حتى أصبح الفساد مشهدا عراقيا مألوفا في الحياة اليومية التي يعيشها العراقيون ، اذ كانت لجنة كتابة الدستورمجرد شكل لا تمتلك مؤهلات كتابته بشكل يليق بالعراق وشعبه وتاريخه وموروثه الاجتماعي.
 

حرق مخازن صناديق الاقتراع/ الرصافة 2018

كركوك والمادة (140)
كان لوجود عبارة (المناطق المتنازع عليها) في المادة 140، ايحاء بان هذه المناطق يتنازع عليها العراق مع دول الجوار وليس مع المنطقة الكردية،وباتت هذه العبارة الملغومة كفيلة بنسف الدستور لأنها تحرض على تقسيم العراق وتتعامل مع المنطقة الكردية على أنها دولة حدودية مستقلة وليست جزءا من العراق، ماجعل محافظة كركوك على شفى نزاع وصراع دائم، ولم تحل هذه المشكلة بشكل وطني او بحوار عراقي عراقي وظلت ورقة بيد هذا المكون او ذاك تحركها الاحزاب المنتفعة ببقاء المشكلة على وضعها من دون حل ، وتحولت هذه المادة الدستورية إلى مثار جدل متواصل بين مختلف الأطراف، سواء بشأن قانونيتها أو لأسباب أخرى متعلقة بالصراع الحزبي.

 وبدأ هذا الخطأ مع كتابة الدستور من قبل اشخاص لايعرفون شيئا عن آليات كتابته،اذ كانت لجنة كتابة الدستور مجرد شكل لا تمتلك مؤهلات كتابته بشكل يليق بالعراق وشعبه وتاريخه وموروثه الاجتماعي

يتجدد الخلاف بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان مع كل عام ومع التمهيد للموازنة المالية للبلد، ومعظم هذه الخلافات تتمحور حول النفط وكركوك ورواتب موظفي الاقليم ، وهذه الخلافات مستمرة منذ قرابة عشرين عاما، لكنها تختفي مع مفاوضات تشكيل أي حكومة جديدة، ومن ثم تظهر مجددا بعد تشكيل الحكومة، ويبدو ان لا ارادة حقيقية لدى جميع الساسة في بغداد والاقليم لحل هذه المشكلة وكأنهم يديمون زخمها بالزيت على النار ليبقى العراق ملتهبا ابدا دون حل وكأنه لايستطيع العيش من دون مشاكل ، وظلت الملفات العالقة بين المركز والاقليم من أبرز المشاكل التي تواجهها الحكومات العراقية المتعاقبة، كرواتب موظفي الإقليم والتنسيق الأمني في المناطق المتنازع عليها، والاتفاق على آلية تصدير النفط من حقول الإقليم، حيث تمثل عائدات تصدير النفط نحو 80 % من الميزانية السنوية لحكومة إقليم كردستان ،ولم تجد هذه المعضلة طريقها لحل جذري على مدى 20 عاما.
 

مدينة كركوك

تركيا وايران وسوريا .. المياه سلاح بوجه العراق
يعود تفاقم أزمة شح المياه في العراق الى جملة من الأسباب من بينها سوء إدارة استخدام المياه وتغير المناخ وتراجع الإمدادات من دول المنبع، تركيا وإيران وسوريا، وهي عوامل افرزت مشكلة أساسية للعراق لم تتم معالجتها حتى الآن ،بسبب غياب الإرادة السياسية في العراق طيلة العقود الماضية لمنع حل هذه المشكلة ، وبسبب ضعف استجابة الحكومات العراقية، تعمل دول الجوار على بناء السدود أو إعادة توجيه مسارات الأنهار المشتركة لتأمين احتياجاتها الخاصة، وبالتالي تقليل كمية المياه المتدفقة إلى العراق ،وتتجدد هذه المشكلة بسبب الاضطرابات في علاقات العراق مع جيرانه على خلفيات ضغط هذه الدول مثل ايران وتركيا لانهاء ملفات المعارضة الايرانية وحزب العمال المعارض لتركيا والتي تتخذ من الاراضي العراقية ملاجئ لها.
 
ان تناقضات السياسة العراقية داخليا وخارجيا تؤشرإلى وجود خلل في هذه المنظومة وأزمة بنيوية سياسية واقتصادية ومجتمعية لا يستطيع العراق تجاوزها مع السلطة الحالية في ظل وجود عقلية المسؤولين التي تدير الدولة باهوائها ورغبات احزابها ، ولم تظهر القوى السياسية العراقية رغم كل هذا الفشل الرغبة في التنازل عن سلطتها أو الاعتراف بأخطائها وتلبية مطالب المجتمع، بل مازالت حتى اليوم تسعى للاستمرار بالسلطة لأطول فترة ممكنة متمسكة بسياستها الفاشلة.
 

شحة المياه في احد الانهر

الكويت .. ترسيم الحدود وأصل المشكلة
تعود المشكلة بين العراق والكويت الى العام 1932 عندما طالبت بريطانيا العراقيين ترسيم الحدود مع الكويت في إطار التمهيد لحصول العراق على استقلاله من الاحتلال البريطاني والانضمام إلى عصبة الأمم آنذاك.
وكان الغزو العراقي للكويت في آب 1990 هو التطور الأبرز في علاقات البلدين، والذي انتهى بحلول نهاية شباط 1991، بعد تشكيل تحالف دولي لإخراج الجيش العراقي من الكويت ، وبعد حربي الخليج الثانية عام 1991 والثالثة عام 2003 قامت الكويت، وفق القرار الأممي 833 لسنة 1993، ببسط سيطرتها على ميناء خور عبد الله، الميناء الذي يمثل الواجهة البحرية الوحيدة المباشرة للعراق على المياه الدولية في الخليج العربي.
 
عادت مسألة ترسيم الحدود إلى الواجهة مجددا بين العراق والكويت أثناء زيارة وزير الخارجية الكويتي، سالم الصباح، ولقائه نظيره العراقي، فؤاد حسين في 30 تموز 2023ببغداد والتقى الوزير الكويتي وفدا ضم محافظ البصرة، أسعد العيداني، ومسؤولين من وزارتي النفط والنقل العراقيتين ،وتوجه "الصباح" بالشكر، خلال مؤتمر صحفي مشترك وقتها مع نظيره العراقي لمحافظ البصرة الذي وعد الوزير الكويتي بـ "هدم منازل العراقيين في (مدينة) أم قصر قريبا" ، تنفيذاً لتوصيات فريق الأمم المتحدة بشأن صيانة العلامات الحدودية بين البلدين، وإزالة كافة العوائق على جانبي الحدود"،
 

خور عبد الله

وأثارت تصريحات الوزير الكويتي جدلا واسعا في الأوساط العراقية وبين أعضاء في مجلس النواب، فيما التزمت الحكومة العراقية بمواقف "رسمية" شددت على أنها لم تتنازل عن أي أراض عراقية سواء للكويت او لإيران.

وقالت إن "كل ما يثار من إشاعات في هذا الملف تهدف للابتزاز والضغط السياسي"، وفق الناطق باسم الحكومة العراقية باسم العوادي ،كما نفت الخارجية العراقية، في بيان رسمي، "التفريط بسيادة العراق البريّة أو البحريّة ولا سيما ما يتعلّق بمنطقة أُم قصر بالبصرة".
 
وبيّن محافظ البصرة، العيداني، أن "الحدود رُسمت في 10 تشرين الثاني 1994، بامتثال النظام السابق لقرار الأمم المتحدة رقم 833 لسنة 1993، وان أي تغيير لم يحدث على الحدود بين البلدين بعد عام 2003".
 
وأم قصر مدينة عراقية على الحدود مع الكويت فيها آلاف المنازل لكن المشكلة تتعلق بنحو مئة منزل من المنازل المخصصة لسكن منتسبي القاعدة البحرية في البصرة، وتقع، وفق الرواية الكويتية، على علامات الحدود البرية الفاصلة بين البلدين ،لذا، طالبت الكويت بإزالتها والتكفل ببناء مدينة سكنية بديلة تضم ضعف عدد المنازل المهددة بالإزالة.
 
خبراء عراقيون يؤكدون إن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 833 لسنة 1993، أفقد العراق أراضي واسعة وغنية بالنفط والقاعدة البحرية الوحيدة له على الخليج "قاعدة الخليج العربي البحرية" في أم قصر بكل المنشآت التابعة لها بسبب ضمها للكويت.

 لم يعد العراقيون يثقون بالانتخابات كعملية إصلاح للنظام السياسي بعد ان ايقنوا أن استمرار النظام السياسي الحالي بهذه العقلية التقليدية سيزيد الأوضاع سوءا ،ولا مجال لاصلاح آلية الانتخابات التي لم تكن نزيهة نسبيا بسبب تحكم القوى الكبرى بالمفوضية وآلية الانتخابات ، حيث شهد العراق 6 دورات انتخابية اعتمدت كل دورة انتخابية قانونا وتعديلات مختلفة

إن مجمل الخلافات بين البلدين كانت بشأن ترسيم الحدود بينهما في مناطق غنية بالحقول النفطية، مثل حقل غاز الدرة الذي هو محل خلاف بين إيران من جهة وكل من الكويت والسعودية من جهة ثانية.
 
يتوقع مراقبون أن تستمر الخلافات بين العراق والكويت حول ترسيم الحدود البحرية ومناطق استغلال النفط في المياه الإقليمية، مع تفاقم ازمات اخرى فرعية تبرز بين الحين والاخر ، وتخبط في السياسة العراقية التي تدير هذا الملف بعقلية متصلبة من دون النظر الى حلول حقيقية وسياسة دبلوماسية تخدم مصالح العراق وتحقق الاستقرار في المنطقة.
 
لقد رسمت السياسة العراقية ومنذ 2003 طريقا مسدودا امام حل ازمات البلد التي تتضاعف كل يوم مابين الداخل والخارج، ازمات ودوامة وضعت السلطة التي تعاقبت على الحكم نفسها في حرج اختارته من دون ان تسعى لبناء مشروع سياسي شامل يفكك الازمات بحنكة السياسة العقلانية ويبني مشروع الإصلاح الشامل.
في ظل عجز النظام السياسي الحالي عن السيطرة على الازمات التي تعصف بالبلد.. ازمات وملفات لاحصر لها مابين سياسة خارجية متخبطة ووضع داخلي يصعب السيطرة عليه وفساد وسوء ادارة في جميع مفاصل الدولة، باتت الفجوة بين القوى السياسية الحاكمة والشعب كبيرة بحجم إصرار السلطة نفسها على البقاء في موقعها رغم فشلها في حلحلة أي من الملفات الشائكة التي اعادت العراق الى موقف الضعيف امام أي تحد يبرز .
 
ان إعادة كتابة الدستور العراقي الذي استغل لشرعنة الفساد والامتيازات الخاصة للساسة، وحرف السلطة عن مهامها الحقيقية باتت مطلبا شعبيا ملحا لتحقيق سيادة بلد على المحك وتذويب مشاكله التي تلف كل مفاصل الدولة بدءأ من التعليم والبنى التحتية والخدمات وليس انتهاء بمشاكله مع الاقليم ودول الجوار والسلاح المنفلت وغيرها الكثير، بعد ان سقطت الدولة العراقية بين فكي الفساد وسوء الادارة اللذين انتجا كل هذه الازمات والمشاكل.
 
رغم كل هذا التردي مازال العراقيون يأملون بدولة كريمة "تكفي خيرها شرها" وتحقق للمواطن رغباته الشرعية في العيش الكريم دون ان تنشغل بمشاكل ازلية غيرقادرة على حلها والخروج منها والالتفات الى شعبها وبناء دولة تليق بالعراقيين ، دول خالية من الطوائف والملل والتشدد الحزبي والنفع على حساب ثروات البلد والعيش على الازمات.

اختيار المحررين