العراق ..من عنق الزجاجة الى الانسداد السياسي!

6407 مشاهدة
09:11 - 2022-04-05
تقاریر و تحقیقات

الداعي نيوز / تحقيقات وتقارير 
 
شكلت الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت في (تشرين الأول) 2021 صدمة للقوى السياسية العراقية سواء الفائز منها اوالخاسر، وفوجئ من فاز بفوز غير متوقع، ومثلهم فوجئ ايضا الخاسر بخسارة لم يكن يتوقعها ،  ويعود هذا لأسباب وعوامل كثيرة ولم يبحث الفائزون عن الطريقة التي حققوا فيها فوزهم رغم أن الأصوات التي حصلوا عليها أقل من أصوات بعض الجهات الخاسرة التي حصلت على أصوات أكثر، لكنها حصدت مقاعد أقل، وبدأت النظريات والفرضيات تروج لفكرة مؤامرة شاركت فيها دول إقليمية، ليفوز هذا الطرف مقابل خسارة الطرف الاخر . 


 الانتخابات البرلمانية المبكرة 2021
لكن السبب الأقرب إلى المنطق والواقع هوإن قانون الانتخابات الجديد الذي اقره البرلمان العراقي السابق والذي اعتمد الدوائر المتعددة والفوز بأعلى الأصوات هو السبب في التباين الذي حصل في نتائج الانتخابات المبكرة ، حيث فاز من تعامل بذكاء عن طريق المرشحين وحصل على مقاعد أعلى بكمية أصوات أقل والعكس صحيح، بينما لم يقتنع الخاسرون بتلك النتائج  وتظاهروا في شوارع بغداد والمحافظات لأكثر من شهرين مع تقديمهم الطعون أمام المحكمة الاتحادية. 
وعلى مايبدو فان ارادة ما تتعلق بتعطيل تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس للجمهورية هي من تسيدت الموقف وسدت منافذ الطريق الى استقرار سياسي نسبي خرج من عنق زجاجة مستعصية رافقت العملية السياسية من اولى دورات البرلمان العراقي بعد عام 2003 ،وزحفت على المدد الدستورية والقانونية الخاصة بتشكيل الحكومة، بدءاً من انتخاب رئاسة البرلمان، ثم رئيس جديد للجمهورية، وصولا الى رئيس الحكومة عبر مرشح من الكتلة الأكبر التي حيرت الشارع العراقي وضاع معناها في مفترق طرقات التجاذبات السياسية بين الغرماء القدامى الذين نزعوا جلودهم واستبدلوها باخرى بلا لون او معنى. 

 لقد كان مصطلح التغيير الذي ينشده الشعب العراقي من اهم الأسباب الملحة التي دعت إلى إجراء انتخابات مبكرة وإقالة حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي من خلال الحراك الجماهيري الذي انطلق  في تشرين الاول عام 2019 

فبعدما كان مقرراً حسم كل شيء في أواخر شهر (كانون الأول) 2021، فإن الأمر الوحيد الذي تم حسمه هو انتخاب رئيس البرلمان خلال الجلسة التي عقدت في شباط 2022 ، وبقيت عقدتا منصب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء تتراوحان بين قوى الاطار التنسيقي الشيعية والتحالف الثلاثي "انقاذ وطن" الذي قاده مقتدى الصدر وقوى سنية فازت بمقاعد مريحة في البرلمان فضلا عن الحزب الديمقراطي الكردستاني .  
 

اعلان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات نتائج انتخابات 2021

لقد كان مصطلح التغيير الذي ينشده الشعب العراقي من اهم الأسباب الملحة التي دعت إلى إجراء انتخابات مبكرة وإقالة حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي من خلال الحراك الجماهيري الذي انطلق  في تشرين الاول عام 2019، وراح لاجله أكثر من 600 متظاهر وناشط مدني وجرح أكثر من 24 ألفاً، لكن لم يتحقق هدف التغيير مع اقتراب الجميع من المدة الدستورية لنهاية الدورة البرلمانية،في نيسان 2022، وبهذا تكون قد انتفت فكرة الانتخابات المبكرة ،وتاسيسا على ذلك فان الارادة المتربصة بتفكيك الانتخابات والغائها تكون قد نجحت الى حد ما في السعي لتعطيل الاستحقاق الدستوري والانتخابي على حد سواء.  

احتفالات جماهير التيار الصدري بعد حصول التيار على اكثر المقاعد في الانتخابات البرلمانية 2021

مجلس القضاء الاعلى ادلى بدلوه بعد تلميحات بحل البرلمان والغاء العملية الانتخابية برمتها وأصدر بياناً ذكر فيه أن حل مجلس النواب يتم بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه وقال في بيانه :" ان العراق بلد دستوري ونظامه السياسي وآليات تشكيل السلطات فيه قائمة على أساس المبادئ والأحكام التي حددها دستور جمهورية العراق لسنة 2005، المنبثق عن إرادة الشعب العراقي، الذي اختار نظامه السياسي وفق الشكل المنصوص عليه في الدستور، وأن معالجة الإشكاليات السياسية تتم وفق الأحكام الدستورية فقط، ولا يجوز لأي جهة سواء كانت قضائية أو غيرها، أن تفرض حلاً لحالة الانسداد السياسي، إلا وفق أحكام الدستور ، مضيفا ان "آليات حل مجلس النواب مقيدة بنص المادة 64 من الدستور، وملخصها أن المجلس يُحل بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه بخيارين لا ثالث لهما، الأول بناء على طلب من ثلث أعضائه والثاني طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية ، ومن هذا النص يتضح جلياً عدم امتلاك أي جهة أخرى بما فيها القضاء صلاحية حل مجلس النواب لعدم وجود سند دستوري أو قانوني لهذا الإجراء. 

مجلس القضاء الاعلى العراقي

زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، من جانبه رفض حل مجلس النواب وإعادة الانتخابات، وبين في تغريدة له على "تويتر" أن الإطار التنسيقي سيقف بقوة ضد هذا الخيار، كما أكد أن إثارة هذا الأمر تهدف إلى "إخافة" النواب المستقلين ودفعهم إلى المشاركة في الجلسة البرلمانية المقبلة، وجاء ذلك على خلفية تلويح غريمه الصدر بتهديد المستقلين بلغة "حنينة" لدفعهم من اجل اكمال نصاب جلسة اختيار رئيس الجمهورية مرشح الديمقراطي الكردستاني ريبر احمد .

زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي

ويبقى انسداد منافذ الحوار السياسي المؤدي الى تفاهمات منطقية هو المهيمن على الساحة العراقية ، وباتت التحالفات التي ظهرت بعد نتائج الانتخابات،( التحالف الثلاثي وتحالف الإطار التنسيقي) مهددة بالتشظي ولن تستطيع المضي بما جاءت من اجله تلك التحالفات . 
 

 يبقى انسداد منافذ الحوار السياسي المؤدي الى تفاهمات منطقية هو المهيمن على الساحة العراقية ، وباتت التحالفات التي ظهرت بعد نتائج الانتخابات مهددة بالتشظي

لقد تفاقم الخلاف الكردي ـ الكردي واشتد الصراع داخل البيت الشيعي بين الصدر وقوى الإطار التنسيقي وانعكس هذا الوضع على سلباً بالنسبة للكرد وإيجابياً بالنسبة للعرب السنة ، مع إصرار مقتدى الصدر على التحالف الثلاثي الذي جمعه مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني وتحالف السيادة بزعامة محمد الحلبوسي رئيس البرلمان مقابل خصومهم، الإطار التنسيقي والاتحاد الوطني، ومرشحهم الرئيس الحالي برهم صالح ، وفي ظل استحالة التوافق بين هذين الطرفين، فان الأزمة ستستمر، مع سعي هؤلاء جميعا لكسب ود المستقلين الذين سيكونون بيضة القبان في دعم الطرف الذي سيصوتون له. 
 
ومع اخفاق البرلمان للمرة الثانية وخلال جلستين، من تحقيق نصابه واختيار رئيس للجمهورية ومن ثم رئيس للحكومة، برزت تحذيرات بشأن إمكانية حل مجلس النواب في حال عدم انتخاب رئيس للجمهورية ضمن المهلة الدستورية التي تنتهي في 6 نيسان 2022 ، بحسب قرار المحكمة الاتحادية بفتح باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية لمرة واحدة فقط رقم 24 لسنة 2022، أمام رئاسة مجلس النواب مدة 30 يوماً وفق المادة 72/ ثانياً من الدستور العراقي من تاريخ 6 آذار لغاية 6 نيسان يتم خلالها انتخاب رئيس الجمهورية. 
 

محمد الحلبوسي رئيسا للبرلمان لدورة ثانية

وبحسب محللين سياسيين، فان مايشاع عن حل البرلمان يمثل محاولة للضغط على القوى السياسية للالتزام بالموعد المحدد وعدم تجاوزالتوقيتات الدستورية، وكذلك لتخويف قوى سياسية معينة تخشى العودة لخيار الانتخابات المبكرة في حال حل مجلس النواب. 

ووفقا للخبير القانوني علي التميمي، فإن عدم قدرة البرلمان على تمرير مرشح رئاسة الجمهورية بعد 6 نيسان 2022 ، سيكون مخالفاً لقرار المحكمة الاتحادية، التي أجازت فتح باب الترشح لمرة واحدة ،ويضيف التميمي، ان العراق قد يكون أمام انتخابات مبكرة جديدة، حيث إن عدم انتخاب الرئيس قبل التاريخ المذكور، سيتيح للبرلمان حل نفسه من خلال طلب ثلث الأعضاء وموافقة الأغلبية المطلقة لعدد الأعضاء وفق المادة 64 من الدستور أو بقرار من المحكمة الاتحادية العليا "إذا تم استفتاؤها". 
 

الخبير القانوني علي التميمي

وفي تطور لاحق، قلبت مفاجأة زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر الاخيرة الموازين والاستحقاقات الدستورية،من خلال إعطائه الضوء الاخضر لقوى الاطار التنسيقي لتشكيل الحكومة الجديدة من دون الكتلة الصدرية، حيث يرى متابعون للشأن السياسي بانها العصا التي ستوقف حراك تشكيل الحكومة،لاسيما انه القى الكرة بمعلب الاطار "ليورطه"، فيما رد الاطار بانه لايمكن تشكيل الكتلة الاكبر شيعيا من دون كتلة الصدر، ويمثل هذا الشد والجذب تعطيلا ايضا للتوقيتات الدستورية لتعود الحوارات والتكتلات الى نقطة البداية.  
 

تغريدة مقتدى الصدر

ووسط كل هذا يبقى خيار الحوار المنطقي بين الساسة العراقيين وتغليب مصلحة البلد والمواطن على المصالح الفئوية والحزبية والطائفية هو الخيار الانجع لفتح نافذة وطنية جديدة يغادر من خلالها العراق النفق المظلم ، وكل هذا مرهون بايثار الكتل السياسية الذي غاب طويلا عن المشهد السياسي وتسيد بدله مبدأ كسر الارادات ولي الاذرع ، ليخرج العراق من عنق ازمة ويدخل باخرى اكبر .

 

 

 

اختيار المحررين