رياضة

القمار والملاهي .. غسيل اموال وغرف مظلمة

8456 مشاهدة
10:18 - 2022-05-21
تقاریر و تحقیقات

الداعي نيوز / تحقيقات وتقارير  

أن مقياس حضارة وهوية المجتمع وعلى مد العصور هو ماتملثه العادات و التقاليد والقيم الحضارية وما توليه من اهتمام ومحافظة على عاداتها وتقاليدها الأصلية المرتبطة بكيانها الروحي والمادي ومصدرهويتها الثقافية والحضارية عبر مراحل تاريخها الطويل، فالمجتمعات تخضع في تفكيرها واتجاهات سلوكها إلى مجموعة من التنظيمات المكتسبة و المعروفة باسم التراث الإجتماعي أو الثقافي اوالحضاري والديني، وهي ايضا القيم الاخلاقية التي اكتسبها الانسان عبر مراحل عمره من خلال الاسرة والمجتمع وتاريخ بلاده وحضارته ومعتقداته. 


ما يحدث اليوم من تراجع في منظومة القيم بشكل عام بالعراق من انتشار للظواهر الدخيلة على المجتمع العراقي بل تفاقم بعضها الى حد انها باتت تهدد المجتمع وتمساكه بل وحتى الاسرة، يحتاج الى وقفة جادة وصرخة بوجه كل هذا التردي ، ويبدو ان مقياس تطور البلدان لم يعد بما تكتنزه من حضارة وارث تاريخي في مختلف العلوم والاداب والعمران ، بل بات بما تمتلكه من عدد صالات القمار والملاهي ومقاهي المخدرات المشبوهة في ظاهرة حرفت القيم المثلى للمجتمع واستبدلتها باخرى تهشم تلك القيم وتجعل من الحياة مجرد شهوة ولعب.     

بحسب المصادر المعنية فأن اكثر من 30 صالة للقمار، منتشرة في بغداد وتحظى تلك الصالات بدعم وحماية من مليشيات مسلحة وشخصيات سياسية

انتشار صالات القمار والملاهي الليلية يعد ابرز ما افرزته مرحلة ما بعد 2003، ولا انكار لوجودها قبل هذا التاريخ ، حيث كان العراقيون يسمعون بها ويشاهدونا على شاشات التلفزيون في العقود الماضية لقلة وجود هذه الاماكن وفي بغداد تحديدا، وأغلقت بشكل كامل في عام 1990، تطبيقا لقانون العقوبات لعام 1969 في العراق، الذي ينص على ان جميع أشكال المقامرة غير قانونية، ويمكن لأي شخص يمارس أنشطة القمار أن يُغرم أو توجه له عقوبة السجن، واغلقت معها محال الخمور " البارات"، لكنها بقيت مفتوحة في محال بيع بالمفرد المختوم حينها. 

افتتحت اول صالة روليت وقمار في بغداد بفندق الشيراتون بعد العام 2003 وبعد 13 عاما أي في عام 2016 ، لتكون الأولى في البلاد، بعد غلقها عام 1990 ، ثم فُتحت بعدها صالات أخرى في عدد من مناطق بغداد واقليم كردستان ،بعد إعطاء تراخيص العمل لها، وبحسب المصادر المعنية فأن اكثر من 30 صالة للقمار، منتشرة في بغداد وتحظى تلك الصالات بدعم وحماية من مليشيات مسلحة وشخصيات سياسية أو مدعومة من سياسيين لهم حصة أو نسبة محددة من أرباحها. 

وبحسب تصريح لوزارة الداخلية فان عدد قاعات وصالات القمار (الروليت) في فنادق الدرجة الأولى هي (4) صالات، في كل من فنادق (عشتار، فلسطين، المنصور، بغداد) مع وجود عدة صالات روليت في فنادق أخرى غير الدرجة الأولى، واماكن مبهمة في منطقة البتاويين في الباب الشرقي ، وتؤكد الوزارة ان الإجراءات القانونية تتخذ بحق المخالفين من خلال عرض الموضوع أمام قضاة التحقيق، مشيرة الى أنه لا توجد أي إجازة أو رخصة في ممارسة لعبة القمار لعدم وجود قانون ينظم عمل صالات الروليت من قبل هئة السياحة، وصالات الروليت الموجودة في فنادق الدرجة الأولى هي مغلقة بالوقت الحاضر، ولا تمارس عملها منذ أن تم غلقها بتاريخ 23 آب 2019، من قبل مكتب المفتش العام (الملغي) في الوزارة. 

يقول برلماني سابق، إن "بعض صالات الروليت والملاهي الليلية  تديرها عصابات مسلحة تتحرك بغطاء حكومي، بعد أن منحتها وزارة الداخلية إجازات لحمل السلاح لحماية نفسها، رغم عدم قانونية هذه الصالات، وان بعض السياسيين في الحكومة العراقية وقادة المليشيات يدعم أصحاب صالات الروليت،وهي غطاء لغسيل أموال يديرها أجانب من أوكرانيا وتركيا وقبرص ولبنان، وشخصيات فاسدة ضالعة بتهريب النفط والمخدرات والسلاح والرقيق، ويمتلكون أموالا طائلة. 

مزايدات مالية وتباهي واستعراض للاموال كلها تجري ليلا في نوادي بغداد وصالات قمارها وأغلب من يرتاد تلك الأماكن هم سياسيون وتجار ومبتزون

اصبحت لعبة الروليت "القمار" ووجود هذا الكم الهائل من الملاهي والقاعات الليلية  تهدد المجتمع العراقي بالتفكك وتزيد من نسب الجرائم والاحتيال وتعاطي المخدرات،حيث ان الكثير من الشباب والتجار يتم استدراجهم عن طريق صداقات مع نساء او رجال ليقعوا ضحية النصب والاحتيال، في ظل صمت وغياب حكومي بل يمكن ان يكون غض طرف منها لالهاء الناس وبينما يبحث الفقراء عن لقمة عيش يسدون بها رمق الجوع ،هناك من يرقص على جراحاتهم وينثر الأموال بلا "وجع قلب" وهو مايسمى بالعامية " الكيت "،حيث تهتز اجساد الراقصات، في النوادي الليلية معلنة كل يوم انهيار حضارة وقيم اخلاقية ودينية بنيت على اكتاف الاسلاف ليتلقفها المنحرفون ويحيلونها الى مجرد تاريخ عابر ولسان حالهم يقول : ان هذا يتماشى مع التطور الحاصل في العالم "! أي تطور واي رقي هذا الذي يمحو القيم الانسانية والدينية ويخدر عقول الناس بالسموم والفسق والفجور.    

مزايدات مالية وتباهي واستعراض للاموال كلها تجري ليلا في نوادي بغداد وصالات قمارها وأغلب من يرتاد تلك الأماكن هم سياسيون وتجار ومبتزون، أموالهم اخذت من حق المواطن بالفساد والرشوة  والابتزاز وسرقة المال العام.

يقول احد المواطنين وهو من بغداد (ع ع س)، أن "من يشاهد الكم الهائل من الاموال التي تنثر على المطربين و الغانيات وهي تداس تحت الاقدام يعتقد أن هذا الشعب يعيش في ترف ورفاهية عالية، ولكنه لا يعلم ان هذه الاموال اخذت من حق وقوت المواطن البسيط بالفساد والرشوة، ويؤكد إن "هذه الظاهرة تسيء لسمعة الشعب العراقي واصالته وقيمه الانسانية، وأصبحت منتشرة بكثرة في العراق من دون رقيب او حسيب"، معتبراً هذه الظاهرة "دلالة على فساد كبير ينخر جسد الدولة العراقية". 

أحزاب وسياسيون ومتنفذون ورجال عصابات يمتلكون  صالات قمار في بغداد تفوق صالات قمار مونت كارلو و تدر عليهم يوميا مئات الاف الدولارات و البعض الآخر منهم يتولى حماية الملاهي و البارات و بيوت الدعارة مقابل حصة في وارداتها, و له نصيب من تجارة المشروبات الكحولية , حيث تستغل تلك الاحزاب ورادات صالات القمار والملاهي لتمويل فضائياتها و مقراتها و دعاياتها الانتخابية و مليشياتها. 

لايمكن باي حال من الاحوال ان يقاس تطور بلد على ما يحويه من بارات وصالات قمار وملاهي ، فبدلا من ان تبني الدولة مشاريع خدمية وعمرانية وتؤسس لبنية تحتية رصينة تخدم شعبها راحت تفتح الابواب مشرعة لاماكن الفسق والفجور التي تنحدر باخلاقيات المجتمع الى حد الخدر والعجز عن تقديم كل مايمكن لاحياء حضارة بلد ممتدة عبر التاريخ ، حضارة رقي واداب وعلوم واخلاقيات يعرف بها القاصي والداني ،والعتب كل العتب على من تصدى لمسؤولية هذا البلد وغاب عنه ذاك الحس والضمير الانساني ليترك البلد سائبا في الليل للملاهي وصالات الروليت والغانيات والمخدرات والعصابات ويتفرغ في الصباح لجمع واردات ذاك الفسق ليمول حملاته الانتخابية ويستمر بمنصبه ويمول عصاباته التي تقتل الناس بالسموم والهموم .

 

اختيار المحررين